هل توجد وصفة جاهزة للحياة؟
أنت أيها القارئ العزيز بدون شك مرات كثيرة حاولت البحث عن وصفة جاهزة للحياة، عن خطوات محدودة، عن قالب واضح، تريد اتباعه، تصل إلى المراد، تحقق النجاح، ربما قد تكون بحثت عن هذا وأنت طفل، أو أخبرك به أحد ما وأنت في مرحلة المراهقة، أو اعتقدتَ جازما أنك ظفرت به وأنت على أهبة الدخول لمرحلة الشباب، لكن للأسف أيها القارئ أستطيع أن أؤكد لك أنك في كل مرة كان يخيب ظنك، سرعان ما تتلاشى أحلامك الوردية من ذهنك وتكتشف أن كل ما خطر ببالك فالواقع مخالف لذلك.
لست وحدك من يحبط، بل قبلك حاول جلجاميش في بلاد الرافدين البحث عن ينبوع الخلود، عن السر الذي يجعله يُخلد، لكنه لم يظفر بذلك، غريب هو هذا الإحساس بداخلنا أليس كذلك، إحساس بالبحث عن طريق سريع مثلا لتحقيق الشهرة، أو تحقيق النجاح، أو جمع الثروة، الى غير ذلك من الأفكار التي لا تفارق أذهاننا صباح مساء، تطلَّع إلى جموع الناس وهم يهرولون داخل إحدى المدن الكبيرة، نيويورك وطوكيو، جميعهم يُسرع إلى شيء ما، وجميعهم يحمل نفس هذه الفكرة، البحث عن نبع السعادة والخلود، شيء غريب.
لست وحدك من يحبط، بل قبلك حاول جلجاميش في بلاد الرافدين البحث عن ينبوع الخلود، عن السر الذي يجعله يُخلد، لكنه لم يظفر بذلك
كم مرة ستقرأ أو تسمع، "السر الذي لم يخبرك به أحد"، "خمس خطوات مضمونة للنجاح في الحياة"، "أسرار ينبغي أن تعرفها لتحظى بحب الناس وإعجابهم"، "إليك الوصفة السحرية لتجعل النساء يغرمن بك،" ربما بقليل من التأني تدرك أن هذه مجرد تعابير رنانة فقط، وقد تدرك ذلك بعد أن تجربه، تعتقد أن الحصول على الوظيفة شيء رائع، تكشف أنه أمر عادي، تعتقد أن حصولك على جائزة معينة سيجعلك رجلا خارقا، لكنك تكتشف أن الأمر خلاف ذلك، وحينما تخيب جميع ظنونك في الحياة، ربما تكتشف أن السر هناك، تنزوي في مكان ما في الحياة، أو تصبح غير مرئي وتظل تتطلع إلى الحياة من بعيد، وتتعجب وحينما ترى الناس يُهرولون تقول آه ما أغبى هؤلاء إنهم لا يدركون السر الحقيقي للحياة، فتقع أنت ضحية هذه الفكرة المغرية أيضا.
ربما لولا هذا الدافع الغريب ما استطاع أن يعيش الإنسان، لولا هذا الدافع الذي يسكننا ما استطعنا أن نستمر في هذه الحياة رغم إخفاقاتنا، رغم خيبات ظنوننا، لكننا ننسى ذلك ونعود مُقبلين على الحياة من جديد، نركب قطارها ونستمر، وإذا ما تركَنا أحدهم في محطة ما، نحزن لحظة ونقول الحياة تستمر، لكن هل توجد فعلا طريق مختصرة لعبور الحياة، هل يوجد فيها ثقوب سوداء مثلا مثل تلك التي اكتشفها أنشطاين، نستطيع المرور منها إلى مكان آخر، في وقت وجيز.
للأسف يبدو أنه من الصعب الإجابة عن هذه الأسئلة، لكن الغريب فعلا في الحياة هو أن لكل واحد منا تجربته الخاصة، حتى الأشياء البسيطة والعادية في الحياة اليومية كل واحد منا له تجربته الخاصة معها، مثلا الصداقة جميع الناس يعيش هذه التجربة، لكن الخبرات الذاتية الناتجة عن هذه التجربة غير متعدية، بمعنى أن كل واحد منا يعيشها بطعم خاص، وهذا هو المميز في الحياة، كل منا يجد فيها طعما مختلفا، بل حتى سنوات عمرنا لها دور على تجارب الحياة، لا يمكننا أن نفهم أي مرحلة حتى نعيشها، فمثلا مهما استطعنا القراءة عن سن الشيخوخة لا يمكننا الوصول لذلك الإحساس الذي يشعرون به، حتى نصل نحن إليه، لنكتشف أن جميع النصائح التي سمعناها عن تلك المرحلة، كل ما قرأناه، وكل ما شاهدناه هو مختلف عما نعيشه الآن.
ألم أقل لك لا توجد وصفة واحدة للحياة، لا يمكنك أن تحذو خطوات من سبقوك، يجب عليك أن تجد طريقا لك أنت في الحياة، كل ما تقرأه، تسمعه، أو تستنتجه ينبغي أن يكون مجرد علامات على الطريق، هذا ينبغي أن يجعلك أيضا تشعر بالراحة، لا تقس نفسك على حيوات الآخرين، شُق طريقك الخاص في الحياة، لا تمل من مجرد التطلع على لحظات مملة لأزواج بائسين وتستنتج أن الزواج أمر ممل في الحياة، سأقول لك جملة متأكد أنك سمعتها قبل، توقف عن التفكير وابدأ الحياة، لكن أنا أقول ابدأ الحياة دون توقف عن التفكير.