نظرة تحليلية لصعود اليمين في أوروبا
شهدت الانتخابات الأوروبية التي جرت بين 6 و9 يونيو 2024 تحوّلًا كبيرًا في المشهد السياسي الأوروبي، إذ حصل المحافظون الأوروبيون من حزب "الشعب الأوروبي" (EPP) على 189 مقعدًا، بينما تمكّن "الاشتراكيون والديمقراطيون" (S&D) واليسار إلى حد كبير من الحفاظ على مواقعهم بـ135 مقعدًا و39 مقعدًا على التوالي. في المقابل، فقدت الأحزاب الخضراء والليبرالية أكثر من 40 مقعدًا. على النقيض، حقّقت الكتل الشعبوية اليمينية واليمينية المتطرفة مكاسب كبيرة. هذا التحوّل نحو اليمين في أوروبا يعكس ظاهرة صعود تيارات اليمين المتطرف، وهو ما بات ينعكس على مختلف الأصعدة السياسية في القارة. في فرنسا، على سبيل المثال، ارتفعت شعبية زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، حيث باتت الأحزاب اليمينية المتطرفة تلتقط دعمًا أوسع من الناخبين، وتنضم إلى حكومات الائتلاف أو تتقدّم في استطلاعات الرأي. تُعزى هذه الظاهرة إلى عدّة عوامل، منها القلق من الهجرة واللاجئين، والتحديات الاقتصادية التي تعصف بالطبقات العاملة، ما دفع الناخبين إلى تفضيل أحزاب تعد بحماية الهوية الوطنية وتعزيز السيادة على حساب التكامل الأوروبي.
أوجه التشابه مع التيار الإسلامي في العالم العربي:
تمكن ملاحظة تشابهات عدة بين صعود اليمين المتطرف في أوروبا والتيار الإسلامي السياسي في العالم العربي:
1. الدفاع عن القومية والهوية: يدافع اليمين المتطرف عن قومية بلاده وهوية أوروبية مسيحية، ويطالب بوضع حد للهجرة وطرد المهاجرين، ومنع تمدّد الإسلام في أوروبا. على الجانب الآخر، يدافع التيار الإسلامي عن القومية والهوية الإسلامية، ويطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية والتخلص من التبعية للغرب.
2. الصعود المتدرّج: شهد التيار الإسلامي في البلاد العربية صعودًا متدرّجًا في المشهد السياسي، كما هو الحال في المغرب مع حزب العدالة والتنمية، الذي أحرز تقدمًا ملحوظًا منذ 2003 حتى وصل إلى رئاسة الحكومة في 2011 قبل أن يغادرها في 2021. كذلك، نرى صعودًا تدريجيًا لليمين المتطرف في أوروبا، حيث يحقّق مكاسب متزايدة في كل محطة انتخابية.
3. الديناميات الجيوسياسية والاستراتيجية: لعبت الأحداث العالمية دورًا في صعود كلا التيارين. فحرب أوكرانيا وروسيا ساهمت في صعود اليمين المتطرف في أوروبا، كما ساهمت حركات الربيع العربي في صعود التيار الإسلامي. كذلك، الأزمات الاقتصادية والمناخية وارتفاع البطالة كانت عوامل مشتركة في تعزيز شعبية التيارين.
يأتي صعود اليمين المتطرف في سياق التحديات السياسية والاقتصادية داخل أوروبا، مثل ارتفاع نسب البطالة والتلوث ونقص المواد الغذائية
مستقبل اليمين المتطرف: هل هو تكرار التجربة الإسلامية في شمال أفريقيا؟
يمكن استخلاص عدة عوامل قد تؤثر على مستقبل اليمين المتطرف في أوروبا، كما أثرت في تجربة تيار الإسلام السياسي:
1. الدور الدولي واللوبيات الاقتصادية: قد يكون صعود اليمين المتطرف مدعومًا من قوى دولية كبرى مثل الولايات المتحدة، التي قد ترى فيه توجهًا مناسبًا لامتصاص حالات الغضب الشعبي نتيجة للاستقطاب السياسي والاقتصادي الناتج عن تخوّف الأوروبيين من اندلاع حرب كبرى بين حلف الناتو وروسيا. كما تلعب اللوبيات الاقتصادية الكبرى دورًا حاسمًا في تمويل حملات اليمين المتطرف لتحقيق أهدافها، وهو تمامًا ما حصل أثناء وبعد الربيع العربي مع الأحزاب والتيارات الإسلامية.
2. التحديات الداخلية: يأتي صعود اليمين المتطرف في سياق التحديات السياسية والاقتصادية داخل أوروبا، مثل ارتفاع نسب البطالة والتلوث ونقص المواد الغذائية، ما يزيد من شعبيته باعتباره أداة لمعارضة السياسات الحكومية الحالية، وهو نفس ما حصل في العالم العربي ما بعد سنة 2011. إذا صحت هذه الفرضيات، فإننا أمام إعادة لتجربة التيار الإسلامي في شمال أفريقيا، حيث استخدمت القوى الغربية الأحزاب الإسلامية حلاً انتقالياً بين سقوط أنظمة موالية للغرب وأنظمة أخرى أكثر ولاءً. في مصر، اختار الشعب رئيسًا مدنيًا محسوبًا على التيار الإسلامي بعد ثورة 25 يناير، قبل أن يُطاح ويُعاد النظام السابق بوجوه جديدة. أما في المغرب، فكان صعود حزب العدالة والتنمية إلى الحكم أكثر هدوءًا، حيث زاد من شعبيته بشكل تدريجي حتى وصل إلى رئاسة الحكومة، ثم تراجعت شعبيته بفعل عراقيل وُضعت لإنهاء شعبيته المتزايدة. يبقى اليمين المتطرف في أوروبا على خطى حركات سياسية سابقة، جرى تعزيزها ثم تقليل تأثيرها من قبل القوى الكبرى. إلا أن التحديات الداخلية والضغوط الإقليمية قد تلعب دورًا كبيرًا في تحديد مسار هذا النهج المتطرف في المستقبل.