عن التعديل الوزاري في المغرب
طرح التعديل الوزاري الذي أُجري في المغرب بتاريخ 23 أكتوبر 2024 العديد من التساؤلات حول جدواه وحقيقته، وهل هو مجرد تعديل شكلي أم يحمل في طياته تغييرًا حقيقيًّا يمكن أن يؤثر على السياسات العامة. يبدو أن التعديل لم يمس وزارات سيادية أو حساسة مثل الداخلية أو المالية، اللتين تُعتبران ركيزتين أساسيتين في أي حكومة. وبالرغم من أهمية الوزارات التي شهدت تغييرات، مثل الصحة والتعليم، إلا أن الإبقاء على عدد من الوزراء الذين كان ينتظر الجميع تغييرهم أثار جدلًا واسعًا.
نقطة ضوء وسط الجدال
من أبرز النقاط التي تستحق الإشارة في هذا التعديل هو تعيين رجل الأعمال أمين التهراوي وزيرًا للصحة. خلافًا لما شهدته الحكومات السابقة منذ عام 2011، إذ كان يتم الاعتماد على أطباء لإدارة هذه الوزارة، جاء هذا التعديل برجل إداري من خارج القطاع الطبي، وهو ما يُعتبر في نظري خطوة إيجابية. فالتجربة أثبتت أن الأطباء لم ينجحوا في تحسين القطاع الصحي، بينما قد يكون لرجل إداري ذي خبرة في التسيير قدرة على تقديم حلول إدارية فعالة لتحديات هذا القطاع، الذي يعاني مشكلات هيكلية تتعلق بالحوكمة والموارد البشرية.
استمرارية الأسماء المثيرة للجدل
من الملاحظ أن التعديل الحكومي حافظ على بعض الأسماء التي كان الجميع يتوقع مغادرتها، وعلى رأسهم عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، الذي لم يحقق تغييرات ملموسة في قطاع العدالة وكان محل انتقاد بسبب عدد من تصريحاته الإعلامية، ويبقى في نظري سبب الإبقاء على وهبي هو تمرير عدد من القوانين المثيرة للجدل مثل قانون المسطرة المدنية وقانون الإضراب، خصوصًا أن وهبي يمتاز بشخصية عنيدة، زيادة على كونه يعيش أيامه الأخيرة سياسيًّا، خصوصًا بعد تركه الأمانة العامة لحزب الأصالة والمعاصرة.
الإبقاء على بعض الوزراء المثيرين للجدل وإدخال رجال الأعمال المقربين من رئيس الحكومة يطرحان تساؤلات حول مدى جدية الحكومة في إجراء إصلاحات حقيقية
كما شهد التعديل الوزاري عودة بعض الشخصيات المتهمة بقضايا فساد، مثل عمر احجيرة، وهو ما يعزز فكرة أن هذا التعديل لم يكن مدفوعًا بالرغبة في الإصلاح بقدر ما هو توزيع سياسي للحقائب بين الأحزاب المشاركة.
الاعتماد على رجال الأعمال والمقربين
يبدو أن الاختيارات الحكومية تميل كثيراً إلى رجال الأعمال والمقربين من رئيس الحكومة عزيز أخنوش، مما يعزز الانتقادات بأن الحكومة تعتمد على الدائرة الاقتصادية الخاصة بأخنوش أكثر من الكفاءات المتخصصة. فعلى سبيل المثال، تم تعيين وزير التربية الجديد برادة، الذي كان يدير ديوان أخنوش عندما كان وزيرًا للفلاحة، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى استقلالية التعيينات عن المصالح الخاصة.
إحداث مناصب جديدة: إرضاء للأحزاب؟
من الجوانب التي أثارت التساؤلات أيضًا هو إحداث مناصب "كتاب دولة"، وهو ما اعتبره البعض محاولة لإرضاء الأحزاب المتحالفة وزيادة حصصها الوزارية، من دون أن يكون لهذه المناصب تأثير فعلي على تحسين الأداء الحكومي. هذا التوجه يعزز الفكرة بأن التعديل كان يهدف إلى تحقيق توازن سياسي داخلي أكثر من كونه إصلاحًا جوهريًّا.
بالنظر إلى مجمل التعديلات، يبدو أن هذا التعديل الوزاري لم يحمل تغييرات عميقة وجوهرية في بنية الحكومة المغربية. فالإبقاء على بعض الوزراء المثيرين للجدل وإدخال رجال الأعمال المقربين من رئيس الحكومة يطرحان تساؤلات حول مدى جدية الحكومة في إجراء إصلاحات حقيقية. ومع ذلك، قد يشكل تعيين رجل إداري على رأس وزارة الصحة نقطةَ ضوء وسط هذا الجدل، مما قد يعزز التوقعات بإمكانية تحسين إدارة هذا القطاع الحساس.