عن السكوت على قصف إسرائيل مراكز أونروا في لبنان

20 أكتوبر 2024
+ الخط -

شرعت إسرائيل في استهداف مراكز أونروا في لبنان وغزة، ما يخلق إشكالية كبرى في القانون الدولي الإنساني، حيث تمثل أونروا وكالة أممية تقدم خدمات حيوية للفلسطينيين اللاجئين منذ عام 1949. وعوض أن تساهم أطراف الصراع، بما فيها إسرائيل، في تسهيل عمل أونروا، عكس ذلك، يجرى تعريضها لضغوطات سياسية ودبلوماسية، ومع ذلك، فإن استجابة الأمم المتحدة لمثل هذه الانتهاكات غالبًا ما تكون خجولة أو غير حاسمة. في هذا السياق، تثار تساؤلات حول ما إذا كان رد الأمم المتحدة سيكون بنفس الصمت لو تعرضت بعثات حفظ السلام التابعة لها، مثل بعثة "مينورسو" في الصحراء، لاعتداء مسلح مشابه.

أهمية بعثات الأمم المتحدة وحساسيتها القانونية

بعثات الأمم المتحدة تتمتع بحماية خاصة بموجب القانون الدولي، إذ إنها تنتشر بناءً على قرارات مجلس الأمن وبتفويض أممي بهدف حفظ السلام، مراقبة وقف إطلاق النار، أو تقديم المساعدات الإنسانية. على سبيل المثال، بعثة "مينورسو" في الصحراء، التي أنشئت عام 1991 لمراقبة وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو، توجد في منطقة نزاع حساسة وهي تمثل جزءًا من التزامات المجتمع الدولي لضمان الاستقرار.

في حال تعرضت بعثة مينورسو أو أي بعثة أخرى لهجوم مسلح، فإن هذا يعتبر اعتداءً على الأمم المتحدة نفسها، وقد يؤدي إلى استجابة أقوى أو أسرع من الأمم المتحدة مقارنة بما يحدث مع أونروا. بعثات حفظ السلام غالبًا ما تكون محمية بموجب اتفاقيات دولية، وتشمل عسكريين أو أفرادًا من الشرطة، بينما أونروا تقدم خدمات إنسانية وتعليمية، وبالتالي يمكن أن تكون المواقف الدولية حولها أكثر تأثرًا بالحسابات السياسية.

بعثات الأمم المتحدة تتمتع بحماية خاصة بموجب القانون الدولي، حيث إنها تنتشر بناءً على قرارات مجلس الأمن وبتفويض أممي بهدف حفظ السلام، مراقبة وقف إطلاق النار، أو تقديم المساعدات الإنسانية

الاعتداءات السابقة على بعثات الأمم المتحدة

ولتأكيد أن الانتهاكات التي تتعرض لها مراكز أونروا من طرف إسرائيل ليست الأولى، يمكن الاستشهاد بحادثة وقعت عام 1996 عندما استهدفت إسرائيل قاعدة تابعة للأمم المتحدة في قانا، جنوبي لبنان، خلال عملية "عناقيد الغضب". كانت القاعدة تضم لاجئين لبنانيين، وقُتل خلال الهجوم 106 مدنيين. هذا الهجوم أثار استنكارًا دوليًا واسعًا واعتُبر انتهاكًا للقانون الدولي. ومع ذلك، على الرغم من الغضب العالمي، لم يكن هناك تحرك فعّال لمعاقبة إسرائيل.

والدليل على أن إسرائيل تعامل بميزان خاص، نستشهد بالحادثة التي وقعت عام 2011 في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث تعرضت قوات حفظ السلام الأممية لهجوم من قبل مجموعة مسلحة، ما أدى إلى مقتل 28 جنديًا أمميًا. هذا الاعتداء نتجت عنه إدانات واسعة واستجابة أقوى من الأمم المتحدة، حيث طالبت بتحقيق دولي وتقديم الجناة للعدالة، كما فرضت بعض العقوبات.

عند مقارنة هذه الحوادث مع قصف مراكز أونروا، يتضح أن الاعتداءات على قوات حفظ السلام تلقى اهتمامًا أكبر واستجابة أسرع من المجتمع الدولي. ذلك يعود إلى طبيعة بعثات حفظ السلام، حيث يتمتع أفرادها بحصانات خاصة ويُعتبر أي اعتداء عليهم تهديدًا مباشرًا للسلام والأمن الدوليين، وهو ما يدخل ضمن نطاق مسؤولية مجلس الأمن.

أما أونروا، وعلى الرغم من أنها تابعة للأمم المتحدة، فإن طبيعة عملها وكالةً إنسانيةً في منطقة نزاع حساسة جعلتها في مرات عدة عرضة للتجاهل السياسي، خاصة مع النفوذ الأميركي داخل الأمم المتحدة الذي يُعتبر داعمًا قويًا لإسرائيل. هذا النفوذ السياسي غالبًا ما يعيق أي استجابة حازمة أو اتخاذ إجراءات ملموسة لمحاسبة إسرائيل.

التحليل السياسي والاقتصادي للصمت الأممي

الصمت أو التردد الذي تتسم به استجابة الأمم المتحدة تجاه قصف أونروا يمكن تفسيره بالعوامل الجيوسياسية التي تحكم العلاقات الدولية داخل المنظمة. مجلس الأمن، المسؤول عن القرارات الملزمة، يخضع لموازين قوى، حيث تمتلك الدول الخمس دائمة العضوية حق النقض (فيتو)، ما يجعل من الصعب تمرير قرارات قوية ضد إسرائيل بسبب الحماية التي تقدمها الولايات المتحدة.

في المقابل، الاعتداءات على بعثات حفظ السلام تلقى استجابة مختلفة نظرًا إلى خطورة الموقف ولأن هذه البعثات تُعتبر جزءًا من جهود دولية مباشرة لحفظ السلم والأمن، وهي تتمتع بدعم أوسع من قبل الدول الأعضاء. أي اعتداء على بعثات حفظ السلام يُشكل تهديدًا للنظام الدولي بشكل مباشر، وبالتالي، يكون الصمت أو التجاهل أقل احتمالًا.

في النهاية، يمكن القول إن تعامل الأمم المتحدة مع قصف أونروا يعكس حالة من الازدواجية والتأثر بالسياسة الدولية، مقارنةً بتعاملها مع الاعتداءات على بعثات حفظ السلام مثل مينورسو. وفي حين أن كلا النوعين من البعثات يتمتع بحماية قانونية دولية، إلا أن الاعتبارات السياسية والاقتصادية، لا سيما تأثير الدول الكبرى، تلعب دورًا رئيسيًا في تحديد طبيعة ومدى استجابة الأمم المتحدة.