لماذا يتمسّك الغرب بإسرائيل؟
على مدى الأشهر الماضية، أحدثتْ حرب الإبادة التي يشنّها الكيان الصهيوني على قطاع غزّة موجةً عالميةً من الوعي والاحتجاج في ما يخصّ فلسطين، إذ خرج ملايين الناس إلى الشوارع، وانتشرت الاعتصامات في مختلف الجامعات عبر العالم، وأغلق نشطاء شجعان الطرق لبعض الموانئ ومصانع السلاح.
وهناك اعتراف عميق بالحاجة الآن، وأكثر من أيّ وقتٍ مضى، إلى حملةٍ عالميةٍ لمقاطعة هذا الكيان المحتل وسحب الاستثمارات منه، وفرض العقوبات عليه. وتعزّزت قوّة هذه الحركات الشعبية من خلال الاهتمام الهائل الذي سبّبته دعوى جنوب أفريقيا ضدّ إسرائيل في محكمة العدل الدولية. لم تُلقِ هذه الدعوى الضوء بقوّة على واقع الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل فحسب، وإنّما أيضاً على إصرار الدول الغربية الكبرى على تمكين إسرائيل من القيام بأفعالها هذه في قطاع غزّة وخارجه.
لكن على الرغم من تصاعد التضامن مع فلسطين عالمياً، يبقى هناك العديد من المفاهيم المغلوطة في الطريقة التي تُناقَش بها عادةً مسألة فلسطين وفهمها. ففي معظم الأحيان، يُنظَر إلى قضيّة فلسطين بشكلٍ تبسيطي من خلال عدسةِ إسرائيل والضفة الغربية وغزّة، ويجري تجاهل الأطر الإقليمية الأوسع في الشرق الأوسط والسياق العالمي، الذي يعمل فيه الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي. وبشكل متصل، كثيراً ما يجري اختزال التضامن مع فلسطين في مسألةِ الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والانتهاكات المستمرة للقانون الدولي التي ترتكبها إسرائيل، أي القتل والاعتقال ونهب الممتلكات وغيرها من انتهاكاتٍ عانى منها الفلسطينيون لحوالي ثمانية عقود. مشكلة هذا التأطير الحقوقي أنّه ينزع الطابع السياسي عن النضال الفلسطيني، ويفشل في تفسير لماذا تستمر الدول الغربية في دعمِ إسرائيل بهذا الحسم والوضوح. وعندما يُطرَح هذا السؤال الجوهري عن الدعم الغربي، يشير الكثيرون إلى "اللوبي المؤيّد لإسرائيل" النشط في أميركا الشمالية وأوروبا الغربية باعتباره السبب، وهي وجهة نظر خاطئة وخطرة سياسياً تسيء فهم العلاقة بين الدول الغربية وإسرائيل.
كمستعمرة استيطانية، كانت إسرائيل أساسية للحفاظ على المصالح الإمبريالية الغربية في الشرق الأوسط
مقاربة تُصاغ بالنظر إلى الموقع المركزي للشرق الأوسط والمنطقة الأوسع في عالمنا المتمركز حول الوقودِ الأحفوري. الموضوع الأساسي هو أنّ هذا الدعم غير المحدود من الولايات المتحدة والدول الأوروبية الكبرى للكيان لا يمكن تفسيره خارج هذا الإطار. كمستعمرةٍ استيطانية، كانت إسرائيل أساسية للحفاظ على المصالح الإمبريالية الغربية في الشرق الأوسط. وقد لعبت هذا الدور، جنباً إلى جنب مع الركيزة الأساسية الأخرى للسيطرة الأميركية في المنطقة، ألا وهي ممالك الخليج العربي الغنيّة بالنفط، وخاصة المملكة العربية السعودية، ويحاولون اليوم الوصول إلى العراق. وتعتبر العلاقات المتطوّرة بسرعة بين الخليج وإسرائيل والولايات المتحدة أساسية في فهم اللحظة الحالية، بالنظر بشكلٍ خاص إلى الضعف النسبي لقوّة الولايات المتحدة في العالم بعد عدّة منازلات مع روسيا وإيران، بعد الأخذ بعين الاعتبار تأثيرات حرب أوكرانيا أيضاً.