ثقافة العقوبات المدرسية
أصبحت ظاهرة ضرب وإهانة التلاميذ، ولا سيما الأطفال منهم، ظاهرة ثقافية مجتمعية، تحاصر الطفل بين الأسرة والمدرسة، بحجة أنّ الضرب وسيلة تربوية لمصلحة الطفل.
وفي هذه الأيام، تتحدث وسائل الإعلام، وبشكل متكرّر، عن عقوبات جماعية يرتكبها معلم أو مدير مدرسة ضد تلاميذه الأطفال، وبطريقة قاسية ومؤلمة، بما يشير إلى أنّنا أمام ظاهرة ناجمة عن خلل في النظام التربوي في مدارسنا، حيث إنّ المدارس كانت سابقاً تابعة لما يسمّى بوزارة المعارف التي تحوّلت إلى وزارة التربية فيما بعد، باعتبار أنّ التربية أولاً ويليها التعليم.
كلّ طفل ينتمي لأسرة لها معتقداتها الخاصة، وفي المدرسة أيضاً يتلقى الطفل أفكاراً جديدة، من المؤكد أنها تتوافق مع الفكر السياسي العام، والذي غالباً ما يكون متقاطعاً مع معتقدات الأسرة التي ينتمي إليها الطفل، سواء كانت معتقدات مذهبية أو دينية أو قومية، وكلتا المؤسستين (الأسرة والمدرسة) تنقلان ثقافتهما للطفل بطريقة التلقين والإملاء، والتي غالباً ما يصاحبها الضرب والقسوة! وهذه انسحبت حتى على المواد الدراسية العلمية، إن قصّر التلميذ في واجباته.
ينبغي على أصحاب الشأن في البلاد إعادة النظر في المنهاج التربوي وإعطاء الأولوية للتعليم
من هنا نستنتج أنّ المنهاج التعليمي في العراق جاء بطريقة معاكسة تماماً، أدّت إلى انحطاط المستوى التعليمي في البلاد، لذا فعلاج هذا الانحطاط يتمّ بترسيخ فكرة التعليم أولاً (وليس التربية) التي تنتهجها أرقى المجتمعات في العالم وأكثرها تطوّراً، والتي تتبنّى أفكار الفيلسوف الكبير جان جاك روسو في التعليم والتربية.
فنظرية إميل أو في التربية لروسو تتلخّص برفضها فكرة التلقين والتعليم القسري، ويكفي أنّ يكون الطفل متلقياً من أسرته فقط، أما في المدرسة، فالمعلم لا يعلم ولا يُلقن ولا يفرض أفكاره على تلاميذه. المعلم يسأل فقط، والتلميذ يذهب ويبحث عن الجواب على طريقته مهما كانت بدائية. وهذا ما يتوافق مع فطرة الطفل الذي يسأل عن كلّ شيء تقع عليه عيناه، فهو يسأل أمه وأباه أو أقاربه أو جيرانه أو أيّ مصدر آخر، كي يجيبه أستاذه في اليوم التالي. وهكذا وحسب نظرية إميل، سوف تنتج البلاد أجيالاً من الباحثين والمفكرين، وليس من المتلقّين.
لذا ينبغي على أصحاب الشأن في البلاد إعادة النظر في المنهاج التربوي وإعطاء الأولوية للتعليم وإعادة تسمية الوزارة المعنية بوزارة المعارف كي نقول كفى للتربية العقيمة في مجتمعنا.