ملف "العنف والنساء"... كيف الكلام عن المرأة فلسفياً (4)

08 مارس 2023
+ الخط -

إنّ المرأة فلسفياً هي ورشة ممكنة وطرية للتفكير، لكن الجليل في الأمر هنا ليس مضمون التفكير، بل أساساً في المسالك والأسئلة التي يسترشد بها ذلك التفكير، والسبل الجديدة التي يقترحها في أفق بلورة منظور مغاير للمواضيع، بما يمنح لتناولها الطرافة التي تجعلها جديرة بالمدارسة. ومنه، فإنّ ما هو أهل للعمل عليه فلسفياً هو التفكير في الأسئلة التي نتوّجه بها إلى المرأة فلسفياً، أي كيف يمكن أن تكون المرأة شأناً للفلسفة؟ وما هي الأسئلة والسبل والمسالك التي يمكن من خلالها أن تصير المرأة موضوعاً للفلسفة؟ وهذا ما نقدم في محاولة الاقتراب من الإجابة عنه الإشارات التالية:

أولاً، التفكير في المرأة فلسفياً هو تفكير من جهة النقد، نقد لنمط المرأة في البصر العمومي لمجتمع من المجتمعات، حيث الانتباه بعين فلسفية لمجموعة من المظاهر اليومية والطقوس الممارسة والسلوكيات الجارية ذات العلاقة بالمرأة والتمثلات الحائمة حولها واقتناصها بالمفهوم. ولنحاول ذلك مثلاً، بمفهوم "الرأسمال الرمزي"، فكثير من الخطابات والممارسات، بل والسياسات، تشدّ المرأة إلى هذا المفهوم شدّاً، حيث الانشداد إلى كونها ملكية (بكسر الميم)، أي بما هي رأسمال رمزي واجتماعي يفاخر به الرجل كفخره بما يمتلكه من رساميل أخرى مادية/ ثقافية...، المرأة بهذا المنطق تتمثل كدعامة لما يستمده الرجل من الرساميل الأخرى من قيمة اجتماعية وأخلاقية واعتراف. وهذه النظرة "الامتلاكية" تُسقط على المرأة، إما نظرات نمطية أو تشيئية، كما تكسبها جزيل العوائد من قدسية وتقدير، حتى إنّ الرجل في بعض المجتمعات قد يسيّجها إما بالحجاب أو بلزومها للمنزل أو اهتجاسه بنظرة الآخرين إليها. بل إنّ من المجتمعات من يذهب إلى الانتقاص من قيمة رجل لا يمتلك هذا الرأسمال الأنثوي، فيقدح في رجولته. من هنا تنبثق تساؤلات: هل يمكن فك الاشتباك بين القيمة الاجتماعية وامتلاك الأنثى؟ وهل تقديس الأنثى وإحاطتها بالعناية نابع من النظر إليها كملكية، أي كشيء يجب الحفاظ عليها وتغطيته بالخصوصية كجسد مقدس حتى يتحقّق ما ينبع من امتلاكها من عائدات ومكاسب؟ أم من اقتناع نابع من الجدارة النسوية بالتقدير كذات تنتمي إلى نادي الإنسانية؟ 

الرهان الفلسفي للتفكير الذي نريده لهذا المنطلق الأول هو: كيف التفكير في المرأة كملاك مفكّر عوض النظر إليها كملكية؟

ثانياً، التفكير الفلسفي في المرأة ممكن من خلال استقراء المقول الفلسفي في المرأة، من جهة حضورها في المتن التاريخي للفلسفة، أي هل قال الفيلسوف شيئاً في المرأة ولماذا؟

كيف التفكير في المرأة كملاك مفكّر عوض النظر إليها كملكية؟

الرهان هنا يروم الالتقاء بالزاوية التي تمركزت عليها عين الفيلسوف في نظره إلى المرأة بالنسق الفلسفي، إما تبجيلاً أو تحقيراً (إن جاز الحديث عن تحقير فلسفي للمرأة، أو نقده بدعوى أنّ أي تحقير فلسفي للمرأة لا يمكن أن يكون إلا لا فلسفياً)، ومن ثم الانزياح إلى الهوامش الفلسفية التي أزاحت تلك النظرات؟ ولا يقتصر هذا النظر في الحديث الفلسفي الصريح عن المرأة واتخاذ موقف فلسفي ولا فلسفي من المرأة من طرف بعض الفلاسفة، وإنما استقراء معنى حضور المرأة في التعبيرات الفلسفية كمجاز وتمثيل يؤّثث الفضاء الفلسفي للكثير من الفلاسفة ونستحضر مقطعاً من حديث "القراءة والكتابة" من الكتاب الأول من حديث زرادشت، عن إقران المرأة بالحكمة، حيث قال زرادشت: "غير عابئين بشيء مستهترين، جبارين. كذا تريدنا الحكمة أن نكون، فهي امرأة ولا تحب على الدوام إلا رجلاً محارباً".

مدونات
مدونات

مدونات العربي الجديد

مدونات العربي الجديد

ثالثاً، التفكير في المرأة فلسفياً ممكن كذلك من جهة التفكير بحذر في أفق اختلاف المرأة كنمط بشري خاص، ومن جهة التساؤل حول ما إذا كانت للمرأة جوهرانية خاصة جديرة بالتفكير فيها كأتونوميا متفرّدة لا يمكن فهمها بالتصوّرات الشمولية حول الإنسان بعامة؟! هل هي نمط بشري خاص يستدعي العزل الفكري الذي كرّسه نيتشه بتقسيمه التأويلي للأنماط البشرية (المرأة، الفنان، الفيلسوف، العالم، الكاهن)؟ هل هي نمط بشري خاص أم أنه يجب التفكير في المرأة بعد نيتشه وضده؟

رابعاً، التفكير الفلسفي في المرأة من جهة مساءلة خطاب الجندر الحديث كهوية تتجه للوعي بذاتها والتبشير بها. فهل "نسونة" الخطاب المعاصر وتمركزه على النساء تصب في هذا الاتجاه أم ينظر إليه كعلامة خطابية دالة على توّجه جديد يجعل من المرأة براديغيم لقياس التقدم في مجتمع من المجتمعات؟

النصّ جزءٌ من مدوّنة "الفلسفة والناس" التي تتناول نصوصاً حول الأفكار الفلسفية، لكن بطريقة مبسّطة عبر استعراض أمثلة من حياة الناس وتجاربهم.
فريد أمدى
فريد أمدى
أستاذ مادة الفلسفة وطالب باحث في سلك الدكتوراه في جامعة شعيب الدكالي بالجديدة، حول "تحولات المجتمع المغربي المعاصر".