عودَك رَنَّان أغنية طائفية

24 اغسطس 2017
+ الخط -
أغنية فيروز "عودَك رنان" ذات بُعد طائفي.. هذا ما يقولُه الموسيقار زياد الرحباني بطريقته التهكميه المعهودة، فتهتف منى الشاذلي التي كانت تستضيفه ضمن برنامج "جملة مفيدة": إيه ده؟ 

فيجيبها (باللهجة المصرية): ده حاجة متطورة جداً، سويسرا الشرق! 

ثم يوضح لها أن كل شيء في الحرب اللبنانية كان متوقعاً، فالشخص الذي يعزف العود لفيروز اسمه "علي"، وهي تقول في الأغنية: ضَلَّكْ عيد يا علي. و"علي" في بعض المناطق يرمز للشيعة. لهذا تستطيعين أن تتفهمي كيف يقول لكِ أحدُهم إن الحرب اللبنانية مستمرة منذ 33 سنة؛ يقولها ببساطة، كما لو أنه يقول لك إنه أخذ سيارته القديمة إلى الشركة وحصل على غيرها! ويتابع حياتَهُ- فهو ما يزال حياً- ويعرف أن من الممكن أن تولع الحرب الأهلية من جديد. هذا الشخص نفسه يعمل قصة (يثير مشكلة) من الجملة التي تقولُها فيروز (ضَلَّكْ عيد يا علي). وهو يأمل، ربما، أن يرجع عَمْرو موسى إلى بيروت.. 

وهنا يبدأ زياد دعابة من نوع آخر، فيقول: لأن عمرو موسى متآلف مع جو بيروت (آخد عَ الجو)، حيث يفاوض، ويبقى على مسافة واحدة، فعمرو موسى قوي كتير في الوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف! 

وقال زياد: اتهموا فيروز، رغم كل الاحتياطات التي تأخذُها عادةً، فنحن أبناءها لا نراها حتى في البيت، وفجأة تظهر لتوجه خطابَها للشيعة، وتغني لعلي، الإمام علي. 

وحينما سألته منى الشاذلي: ماذا فعلتم؟ ماذا أوضحتم؟ 

قال: فيروز لا توضح إلا إذا كان هناك شيء خارق للطبيعة. التوضيح، عندنا، أسوأ من الحالة الأصلية، لأن البادي أظلم. فيروز أحبت الأغنية لأنه لا يوجد في ريبورتوارها (سجلها الغنائي) أغنيات سريعة، فمعظم أغانيها هادئة، ومن خلال اندفاعها لأداء أغنية سريعة لم تنتبه لوجود "علي". (زَمَطْ علي في العجقة!). وعلى المسرح، كانت تؤدي الأغنية بطريقة جميلة، ولكن الطليعة من الكتاب والمثقفين "بَخُّوا الخبرية"، خبريةَ غنائها لـ عَلي، والناس، كما تعرفين، يرقصون من دون دَفّ! 

ويقول زياد، ولمزيد من التوضيح، إن الأغنية قُدِّمَتْ سنة 1985، ضمن الألبوم الثاني الذي أنجزناه معاً، والحرب اللبنانية مرت بمراحل وفصول، ووقتها، في ذلك الفصل، لم يكن شائعاً التصنيف الخاص بالسنة والشيعة، بل كان عندنا تصنيف "المسلم المسيحي"! وهو تصنيف حلو كتير "كلاس" نادر. ملخص هذا التصنيف أن فيروز تغني للإسلام. يعني ضاعت فيروز. ضاع الوطن. وبعدها مشي الحال، مع الوقت "لقيوه".. وجدوه. 

الخلاصة التي يصل إليها زياد هي: القول بأن الفن هو الذي يبقى بمعزل عن الأقاويل، وأن صوت فيروز الملائكي متجاوز للأديان والمذاهب والاعتبارات السياسية، يقودنا إلى نقطة أساسية مفادها أن الذين وقفوا وراء هذه الأقاويل هم أنفسهم الذين عارضوا خَطَّ زياد الفني، قائلين إنه يأخذ فيروز في اتجاه لا علاقة له بالرحابنة ولا بالفن، اتجاه زقاقي، شوارعي.

وحقيقة إن زياد قد أنزل فيروز من الأيقونة ووضعها على الأرض بين الناس. هذا هو إنجازُه الأبرز.

   

    

         

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...