عندما تغيب الرؤية
في عالم سريع التغيّر في الأحداث والمستجدات ويعيش على بركان من الصراعات، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، تُعدّ الرؤية أحد أهم العناصر الأساسية لنجاح أيّة دولة أو مؤسسة. إنّها النظرة المستقبلية التي تحدّد الهدف والاتجاه الذي تسعى لتحقيقه أيّة دولة أو مؤسسة، وبدونها ستعيش الدولة أو المؤسسة في غيبوبة، مكبّلة بالواقع المكلوم أو الماضي المأزوم أو المستقبل المجهول، وسط تخوّف من الإقبال على المستقبل بتغيّرات جذرية، قد تكون هي الدافعة لها نحو المستقبل. كما يؤدي غياب الرؤية إلى مشاكل وتحديات جذرية كبيرة، قد تدفع بالدولة أو المؤسسة إلى أن تكون هرمة لا تستطيع التحرّك، فيعمل الغير على استغلالها وقيادتها.
في هذا المقال سنتحدث عن بعض المشاكل التي قد تواجهها الدولة أو المؤسّسة عندما تغيب الرؤية الصحيحة عن برامجها واستراتيجياتها.
(1): عندما تغيب الرؤية، تفقد الدولة أو المؤسسة الاتجاه والتركيز، ويصبح من الصعب على صنّاع القرار تحديد الأهداف واتخاذ القرارات المناسبة، ويؤدي هذا إلى تدهور الأداء وتراجع الإنتاجية والجودة، فتصبح الدولة أو الشركة في المؤخرة وينفد رصيدها. وعند محاولة النهوض مستقبلاً، سيصعب عليها إعادة التأهيل مرّة أخرى نتيجة الفقد في أصحاب الكفاءات والخبرات والمواهب الذين سيبحثون عن فضاءات مختلفة للبحث عن التطوّر والتقدّم. وفي هذه الحالة تستنزف الدولة أو المؤسسة مواردها وقدرات أفرادها، وهذا يفقد الدولة والمؤسسات أهم عنصر تعتمد عليه في نهضتها.
(2): أيضًا، عندما تغيب الرؤية، يتراجع الابتكار والتجديد في الدولة والمؤسسة، فتقدم على مشاريع ووسائل لا تحقّق شيئًا من الأهداف المأمولة، لتظل الوسائل التقليدية هي المسيطرة على العقول، ويبقى الأفراد والمؤسسات في دائرة مفرغة يدورون حولها بدون تحقيق أيّ تقدّم أو نهضة معتبرة، ويفتقد الفريق بذلك الحافز والإلهام نحو تطوير أفكار جيدة تكون هي الطريق للمستقبل.
يجب على جميع الدول والمؤسسات أن تستهل عاماً جديداً، برؤية واضحة المعالم، محدّدة المراحل، متباينة المظاهر، ملهمة المشاعر، دافعة للتغيير نحو المستقبل
(3): عندما تغيب الرؤية، تضيّع الدولة أو المؤسسة العديد من الفرص الموجودة، كما لا تعمل على امتلاك فرص جديدة تكون هي الدافعة لها نحو المستقبل، ويصعب عليها استشراف المستقبل واتخاذ العديد من القرارات حياله، لأنّها تعيش في الواقع ولا تحاول الخروج منه. فكلّما حٌلت مشكلة انفجرت أخرى نتيجة استبعاد التفكير الاستراتيجي المستقبلي، لتتحول الأهداف المؤقتة إلى سلعة بخسة لا تستطيع انتشالها من التيه أو التحرّك بها نحو المستقبل، وستظل ضعفية فاقدة للاتجاه الذي تنشده أو التغيير الذي تسعى لتحقيقه.
(4): عندما تغيب الرؤية، تضيع الدولة والمؤسسة في عالم متغيّر، فتكون الرؤية ضرورية لتمكين المؤسسة من التكيّف مع التحوّلات في البيئة الخارجية، وغيابها يجعل من الصعب التعامل مع التغيرات المستمرة ومحاولة الاستفادة من الفرص المتواجدة فيها، أو توجيه دفتها إلى اتجاه آخر تستفيد منه في دفع تهديد أو إضافة قوة جديدة لها.
(5): عندما تغيب الرؤية، يشعر الأفراد في المؤسسات والشركات بعدم وجود اتجاه ملهم يتوّجهون نحوه، فيتشتّت الاهتمام ويتباعد اتخاذ القرارات ويتكاسل العاملون، بما يؤدي إلى عدم التناغم بين الوزارات وبعضها في الدول، والأقسام وبعضها في المؤسسات والشركات، ويؤدي هذا إلى فقد الثقة في القيادة بشكل عام نتيجة الإحباط وعدم الرضا عن العمل والنتائج، بما يؤثر سلبياً على الأداء والروح المعنوية.
أخيراً، إنّ الرؤية هي حلم واضح المعالم، محدّد المظاهر والاتجاه، منطقي الترتيب، يلهم العاملين على العمل فيه، ويتمنى الجميع رؤية تحققه، فيعمل الأفراد بشغف وحماسة، ويكون دافعاً نحو الجد والاجتهاد لرؤية نتائجه المستقبيلة. بما يعني أنه يجب على جميع الدول والمؤسسات أن تستهل عاماً جديداً، برؤية واضحة المعالم، محدّدة المراحل، متباينة المظاهر، ملهمة المشاعر، دافعة للتغيير نحو المستقبل.