عاش معمر القذافي وصدام حسين

23 اغسطس 2020
+ الخط -

سُحِرَ الحاضرون في سهرة الإمتاع والمؤانسة من جمال الحكاية التي رواها أبو الجود عن خاله خالد الذي كان متطوعاً في الجيش برتبة نقيب، وجاء إلى القرية فجأة وعليه علائم الجنون، بدليل حلاقته على الصفر وإصراره على السير في الأزقة وتعييش صدام حسين ومعمر القذافي دون مناسبة.

حنان: أبو الجود، خليني أذكّرك بالجزء اللي حكيت لنا إياه. لما جدك طلب من خالك خالد يحكي له أيش صار معه، حكى له عن لقاؤه بالعقيد قائد الكتيبة، وكيف عرض عليه فكرة إنهم ينجّحوا حافظ الأسد في الاستفتاء من دون هالتعب وهالمصاريف والعلاك، لأنه هوي ناجح بطبيعة الحال، والعقيد استفظع الفكرة وطلب من خالد إنه ما يعيد هالكلام الخطير قدام حدا. بعدين راح النقيب خالد ومارس حقه بالاستفتاء وكتب (غير موافق) وحط الورقة في الصندوق وهوي عم يدبُك.

أبو الجود: نعم. خالي وجدي كانوا واقفين، خالي طلب من جدي يقعد حتى يكمل له القصة على رواق. قعدوا. وزال الجنون عن خالي، وصار يحكي كلام عاقل ومدوزن. قال إنه الاستفتاء انتهى، ووصلوا لمرحلة فرز الأصوات.. وكان المتوقع توصل نسبة التصويت بـ (موافق) لـ 100%. المهم، فتحوا الصناديق، وكوموا الأوراق على الطاولة. واحد من أعضاء اللجنة اقترح على رئيس اللجنة إنه الطريقة الأسهل للفرز إني نحسب عدد الضباط وصف الضباط والأفراد اللي اشتركوا بالتصويت، ونسجل العدد، وعدد المصوتين بـ موافق 100%، وعدد اللي صوتوا بـ (غير موافق) صفر %. ورئيس اللجنة وافق ع الاقتراح، لأنه مستحيل يكون في حدا في الجيش العربي السوري كله يتجرأ ويكتب غير موافق. وكان واحد من أعضاء اللجنة عم يقلب بالأوراق بإيديه، وفجأة صاح متل كأنه لقى لقية: يا سيدي يا سيدي، شوف هالورقة.. مكتوب عليها غير موافق.

ولو شفت يا أبوي أشو صار في الكتيبة. يمكن يوم سقطت القنيطرة بإيد إسرائيل سنة 1967 ما انخضّ بدن الكتيبة لهالدرجة. خلال عشر دقايق صارت الكتيبة تبعنا جوف حمار، مو بس الكتيبة، اللواء استنفر، والفرقة، والخبر وصل للقيادة العامة للجيش والقوات المسلحة.. وما تشوف غير هالعناصر والضباط وصف الضباط راكضين، وعم يصيحوا: يا لطيف. يا ساتر.. الله يمضي هالقصة على خير.

خالي خالد: أول شغلة عملوها إنهم طالعوا قرار بتسريحي من الجيش. بعدين أجت دورية من الأمن العسكري رَكَّبوني في السيارة وأخدوني ع الشام. حطوني في المنفردة شي عشرة أيام

وفي واحد من الضباط، لما طلبونا لاجتماع في القيادة، وقعدونا ع المقاعد الخشبية اللي بنتخز الواحد في مؤخرته، قال: أنا سمعت من خالي العميد فلان اللي عم يخدم في الأركان إنه وزير الدفاع مصطفى طلاس بده يزور كتيبتنا اليوم أو بكرة. وعلى الأغلب ينفتح تحقيق في الموضوع.

رد عليه العقيد قائد الكتيبة: أي ما بيلحّق. لبينما يجي سيادة العماد طلاس ويؤمر بفتح تحقيق منكون نحن عرفنا مين الكلب إبن الكلب الواطي اللي كتب غير موافق. نحن مو قصيرين حَرْبة، منعرف نشكل لجان ونعثر ع المجرمين بلمح  البصر.

كان جدي عم يسمع كلام خالي وعم ينفخ من القهر، ويقول لخالي: الله لا يعطيك العافية يا خالد، الله يقصف عمرك، وبعدين؟

خالي: العقيد قائد الكتيبة لما حكى هالكلام كان مترسمل، وحاطط في ذهنه إني أنا اللي كتبت غير موافق. أمر الحاضرين بالانصراف. وبعدما انصرفوا، استدعاني لعنده، وقفل الباب من جوة، وقال لي: ليش هيك عملت؟ يعني لأني سَتَّرت عليك وما كتبت فيك تقرير بتقابلني بالسوء وبتكتب "غير موافق"؟

قلت له: أنت غلطان يا سيدي. أنا كتبت موافق، وبالعلامة رفضت إنتخب وحط ورقتي في الصندوق بدون ما إرقص ع الطبل، جيب رئيس اللجنة واسأله. لو إني استفتيت ع السكت بدون طبل كان من حق سيادتك تشكك فيني. وإذا كان بتقصد الكلام اللي قلت لك ياه، هادا ما بيعني إني معترض ع السيد الرئيس. بالعكس. أنا قلت لك (خليني نعتبر الرئيس ناجح في الانتخابات من دون كل هاللبكة. إنته يا سيدي ما بتعرف صفوان قدسي تبع الجبهة الوطنية التقدمية؟

قال لي: بعرفه، شوبه؟

قلت له: في آخر اجتماع للجبهة الوطنية التقدمية صار يبكي ويقول أنا ماني موافق على انتخاب الرئيس مرة كل سبع سنين، وبطالب إني ننتخبه للأبد فرد مرة. وأنا متل صفوان قدسي، هيك كان قصدي.

جدي: يا سلام. لكان صار يبكي؟

خالي خالد: مو بس هوي، يوميتها صارت مناحة في اجتماع الجبهة، معظم قادة الأحزاب صاروا يبكوا ويطالبوا بإلغاء الاستفتاء، وإنه يبقى حفوظة قائدنا للأبد.

جدي: مين حفوظة؟

خالي خالد: هوي هادا المجرم اللي عم نحكي عليه، حافظ الأسد.

جدي: الله لا يوفقك، إنته مفكر تودينا كلياتنا في داهية. كمل لشوف أيش صار معك بعدين؟

خالي خالد: العقيد ما اقتنع بكلامي، وقال لي كلمة بشعة (.. عليك وعلى صفوان صفوان قدسي.. قوم انقلع من هون). انقعلت.

جدي: وبعدها؟

خالي خالد: أول شغلة عملوها إنهم طالعوا قرار بتسريحي من الجيش. بعدين أجت دورية من الأمن العسكري رَكَّبوني في السيارة وأخدوني ع الشام. حطوني في المنفردة شي عشرة أيام. وكانوا كل يوم يطالعوني ع التحقيق، ويسألوني: كتبت غير موافق؟ وأنا أرد عليهم: هالحكي كذب. أنا هلق وبكرة موافق وما برضى بديل عن حفوظة.

جدي: كنت تقول حفوظة؟

خالي خالد: لأ. بس هاي بيناتنا ياب. المهم، بالأخير ما بقي قدامهم غير التعذيب. ضلوا يعذبوني حتى اعترفت إني أنا اللي كتبت غير موافق. وبعدما اعترفت كنت مفكر راح ياخدوني ع سجن تدمر. بس اللي صار إني أخدوني ع القصير.

جدي: قصير حمص؟

خالي: لأ. ع قصير الشام. ع العصفورية يعني. على فكرة ياب الحياة في العصفورية كتير كويسة، بتعيّش وبتسقط على كيفك. وهنيك أخدت ع لساني طول النهار كنت أصيح: عاش معمر القذافي وعاش صدام حسين التكريتي.

جدي (يكاد أن يضحك رغماً عنه): هه. يعني هدول التنين أحسن من حفوظة؟

خالي: أبداً ياب. فَلْطة مقسومة تلات أقسام.

جدي: وأيش هاي الفلطة؟

خالي خالد: أيش قصتك أبوي؟ كمان ما بتعرف الفلطة؟!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...