طبائع الشعوب المقهورة
يمكن تحديد الاستبداد بأنهُ ظاهرة رفض المشاركة والانفراد بالرأي، ويكون على عدّة أشكال، تبدأ من استبداد الفرد وتصل إلى استبداد الحاكم. ويمكن أن يعُبّر عنه أيضاً بمعنى السيطرة أو الهيمنة.
تعدّدت صنوف الاستبداد، لكنهُ ينشأ أيضاً من بيئة تساعد على ذلك. ولو تكلمنا عن الاستبداد السياسي، سنجد أنّ الشعوب المقهورة والمتخلّفة تساعد في تكوين شخصية الحاكم المستبد من خلال التمجيد المفرط عند قيامه بواجباته، وهو طبع أساسي للشعوب المقهورة، والتي يُمارس عليها الاستبداد بشكل مباشر ومستمر، فيصل بعضها إلى مرحلة التطبّع أحياناً، والناتج عن الجهل، حيث إنّ الاستبداد لا يكون إلا عندما ينتشر الجهل ويُلغى العلم والتفكير، وحينها لا يكون لإعمال العقل وجود، وهذا ما عبّر عنه عبد الرحمن الكواكبي، في كتاب "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"، إذ يقول "ليس من غرض المستبد أن تتنوّر الرعية بالعلم"، وهو ما يشكّل حالة من الوعي الذي يفضي إلى القول، إنّ للحاكم وظيفة يتعيّن عليه قيامها على أكمل وجه، مثلهُ مثل باقي الرعية.
في الوقت الحاضر، أصبحت هذهِ الظاهرة لا تقتصر على الحاكم فحسب، بل كلّ فرد قد يمارس الاستبداد على غيره. فالمدير يمارس الاستبداد على موظفيه، كما يُمارس الاستبداد عليه ممن هم أعلى منه. كذلك الموظف ذو الخبرة، يمارس الاستبداد على الموظف الجديد، والموظف الجديد يمارس الاستبداد على عامل النظافة أو غيره، وهكذا دواليك.. ليكون الاستبداد ظاهرة مجتمعية مترسخة في طبيعة الشعوب المقهورة، فتمارس الاستبداد ويُمارس عليها الاستبداد.
إذا أرادت الأمة الحرية، عليها نبذ الاستبداد بكل أصنافه، وهذا هو الطريق الوحيد لنهضة الأمم
وكما أشرنا في المقدمة، للاستبداد صنوف، لذا يجدر بنا الإشارة إلى نوع من الاستبداد الذي سمّاه عبد الرحمن الكواكبي استبداد المرء على نفسه حيث قال: "من أقبح أنواع الاستبداد استبداد الجهل على العلم واستبداد النفس على العقل ويسمّى استبداد المرء على نفسه"، حيث وصفهُ بأقبح أنواع الاستبداد، وإذا وُجد العلم مكان الجهل فلن يكون للاستبداد وجود.
إذن، الاستبداد يقوم على الجهل المفرط للأفراد، وإذا وجد العقل فلن يكون للفرد القدرة على ممارسة الظلم والاستبداد على من هم أضعف منه. فالعلم والوعي هما الرادع، وما عدا ذلك فقد تؤدي هذهِ الظاهرة إلى نوع من التعسّف والظلم، وقد تصل إلى المجازر والإبادة، وهذا يبدو واضحاً في تاريخنا الحديث في المنطقة العربية، حيث قصص الاستبداد السياسي زاخرة ووافرة. وكذلك عند الغرب في الماضي، وتعد رواية (1984) لجورج أورويل واحدة من أهم الروايات التي تصوّر ظاهرة الاستبداد الشديد للحاكم.
وختاماً، "الأمة التي لا يشعر بعضها أو أكثرها بالاستبداد أمة لا تستحق الحرية"، كما قال الكواكبي، لذا، إذا أرادت الأمة الحرية، عليها نبذ الاستبداد بكل أصنافه، وهذا هو الطريق الوحيد لنهضة الأمم.