ضعفُ نقاط القوّة!
سعيد ناشيد
لا يحتاجُ المرءُ إلى جسدٍ قويٍ، بل كلُّ ما يحتاجه هو جسد مُعافى من سمومِ الفكر والغذاء، مع قدرٍ كافٍ من المرونة والليونة والنعومة، أمّا القوّة التي قد يعتقد البعض الحاجة إليها، فهي مُلازمة للحياة نفسها. أينما توجد حياة توجد قوّة كافية للحياة. وهذا يكفي في كلِّ الأحوال. أمّا فائض القوّة الذي قد يحتاجه الإنسان في بعضِ العمليات الصعبة أو الشاقة، فإنّه من صميمِ مهارات استعمال الجسد، من صميمِ الأسلوب.
قد يحدث للواحد منّا أن يحاولَ فتحَ قنينةٍ صغيرةٍ بجهدٍ كبيرٍ ثم يفشل، لكن غيره يفتحها بجهدٍ أقل! ما السبب؟
تكمنُ إحدى المعادلات المنسية في أنّ الضعف قد لا ينبع إلّا من سوءِ استعمال القوّة، وأنّ القوة قد لا تنبع في المقابل إلّا من حسنِ استعمالِ نقاط الضعف. ففي كلِّ قوّةٍ لدينا هناك نقاط ضعف أحسنّا استعمالها، وفي كلِّ ضعفٍ لدينا هناك نقاط قوّة أسأنا استعمالها.
وإليك شرح ذلك باقتضاب:
عندما تدفعُ شخصًا أو تجرّه بكلِّ ما أوتيتَ من قوّةٍ فإنّك بالقدر نفسه تستند إليه، فتضعف توازنك، ويسهل عليه بالتالي أن يسقطك إذا تصرّف بمرونةٍ وليونةٍ، وحين تمسكه بقبضةٍ شديدةِ القوّة، فإنّك تجعله في الوقت نفسه قادرًا على استشعار كلِّ ما ستفعله، وبهذا المعنى قد تصبح قوّتك في الإمساك هي نقطة ضعفك أمام خصمٍ نبيه.
نقاطُ قوّتنا حين لا نحسن استعمالها هي نقاط ضعفنا بالتمام، ونقاطُ ضعفنا حين نحسن استعمالها هي نقاط قوّتنا بالتمام
تلك المعادلة يستثمرها أساتذة فنون البودو، فنون القتال اليابانية المتحدّرة من تقاليد الساموراي، كما أنّنا نلاحظها في معظم المنافسات الرياضية، وقد عبّر عنها لاو تسو بوضوحٍ في قوله: تنتصرُ المرونة على الصلابة.
كما قد ينجمُ الضعف عن القوّة، فكذلك قد تنجمُ القوّة عن الضعف. إنّ الهشاشة الصحيّة التي عانى منها نجم كرة القدم، ليونيل ميسي، في صباه، وضعف البنية الجسدية الذي عانى منه مؤسّس رياضة الجيدو، جيغورو كانو، وتعثّر النُطق الذي عانى منه الممثل الكوميدي الشهير، روان أتكينسون، صاحب شخصية ميستر بين، كلّ ذلك الضعف كان منبع قوّتهم وتفوقهم في مختلفِ مجالاتهم.
نقاطُ قوّتنا حين لا نُحسن استعمالها هي نقاط ضعفنا بالتمام، ونقاطُ ضعفنا حين نُحسن استعمالها هي نقاط قوّتنا بالتمام.
على أنّ الوجه الآخر للمعادلة المنسية أنّك ليس الأهم أن تتعرّف على نقاطِ ضعفِ خصمك في المعركة، إذ لا يُهزم الخصم بالضرورة انطلاقًا من نقاطِ ضعفه كما هو التصوّر الشائع، بل يُهزم بالضرورة انطلاقًا من نقاطِ قوته.
معرفة نقاط قوّة الخصم ستكون أهم من معرفة نقاط ضعفه
أثناء القتال يستطيع خصمك أن يخفي بسهولةٍ نقاطَ ضعفه، وقد يجعلها فخًا سهلًا لاصطيادك، لكن نقاط قوّته سيظهرها ويعوّل عليها في كلّ الأحوال، وبحيث يكفي أن تلتفَ عليها بمرونةٍ حتى يقع ضحيّة قوْته. لذلك فإنّ معرفةَ نقاط قوّة الخصم ستكون أهم من معرفة نقاط ضعفه.
تلك القاعدة تصدق على كلِّ مناحي الحياة، حيث بإمكانك أن تستثمر أشدَّ ضربات الحياة ضراوةً حين تعرفُ مكامنَ قوّتها، وحين تمتلك المرونة الكافية لامتصاصِ الضربات، ومن ثم إعادة توجيهها.
وهكذا أقول لك بعد ذلك:
ليس ضروريًا أن تكون العقبات عوائق في طريقك، فقد تكون أدراجًا لصعودك وارتقائك في سُلّم الحياة، وكلّ ما عليك فعله هو تعديل زاوية نظرك طالما لا يليق بالإنسان العاقل أن يعيش في زاوية واحدة. بدورك لا يليق بك ذلك.
لا أظنّ أنّ لديك الآن أيّ رأي آخر.
فلا تخجل من نقاط ضعفك إذًا!
لا تخجل من نقاط ضعفك أبدا!
هل تسمعني؟