شعب مختار بعناية فائقة!
.. "تعرف على بنجامين: هو جندي فرنسي/ إسرائيلي منحرف، ظنّ لسبب ما، أنه سيحصد مزيداً من النجاح في مواعدة (النساء) من خلال نشر صورته مع مجموعة من الملابس الداخلية للنازحات الغزاويات".
هذا ما كتبه صاحب حساب "بي. أم"، وهو، كما يعرّف عن نفسه على صفحته في منصة "إكس": "عبري مناهض للصهيونية"، فوق صورة جندي مزدوج الجنسية، فرنسي إسرائيلي، يحارب في القطاع المنكوب، التقط لنفسه تلك الصورة أمام حائط منزل في غزّة، بعد أن قام بتعليق بعض ملابس النساء الداخلية عليه. ملابس على الأرجح، نبشها من المنزل المدمّر فوق رأس ساكنيه، ومنهم ربّما، صاحبة تلك الأغراض الحميمة.
يختلط القرف بالاشمئزاز وأنت تطالع تلك اللقطة التي تداولتها مواقع كثيرة من باب الذهول أمام درجة الانحراف النفسي لهؤلاء الجنود.
لا يمكنك إلا أن تلاحظ، وأنت تتفحّص الصورة، العناية اللافتة التي علّق بها الجندي تلك الملابس النسائية الداخلية، بمسافة كافية بين الواحدة والأخرى، كما لو كان يجهز لمعرض فني. كان محتفياً بهذا الديكور الذي أحاط به نفسه، كما لو كان بطاقة معايدة يرسلها من الجبهة لعائلته أو أصحابه. يجلس ببزته العسكرية أمام الحائط/ اللوحة، شاخصاً إليه بدل النظر إلى الكاميرا، وابتسامة عريضة تخترق وجهه الأبله من الوريد الى الوريد.
الرغبة بمحو الأخر عبر امتلاكه بالقوة تأكيداً لمن هو المسيطر، هو السيناريو الذي يجتاح وعي الغازي، ولاوعي المغتصب
الانتهاك، والاستباحة، هما المفردتان اللتان تتبادران إلى الذهن حين تطالع تلك الصور. آه! نسيت أن أقول لكم إنّ بنجامين مورايس (وهذا اسمه الكامل)، لم يكن وحده من نشر صورًا له مع أغراض نساء غزّة الحميمة. فغيره كثر في جيش "شعب الله المختار".. بعناية فائقة من بين مجرمي العالم، ممن يمارسون هذه "الرياضة" السافلة. بعضهم، مثل هارلي فيليبس، جاء من لندن معتبراً أنّ حرب الإبادة على غزّة هي أفضل عطلة له، وبعضهم كبنجامين مورايس المنحرف المولع بثياب النساء الداخلية، من باريس، وكثر غيرهم من ألمانيا وأميركا وحتى من إثيوبيا.
وفي الوقت الذي لا يتمكن فيه أهل غزّة من انتشال جثث الشهداء من تحت الركام، يأخذ هؤلاء الجنود كلّ وقتهم بالتفتيش بين أغراض الناس. ما أن يعثر أحدهم على ملابس نسائية داخلية حتى يصيح فرحاً، ويعرضها ضاحكاً أمام الكاميرا، كما فعل أحدهم في فيديو شاهدته، معلّقاً أنّه لطالما كان "متأكدا" من أنّ النساء الغزيات، وخاصة المحجبات منهن، هنّ "الأكثر شبقاً".
لا بل إنّ بعضهم صوّر فيديوهات، وهو ينبش في جوارير غرف النوم، أو حتى يعرّي دمى الفتيات الصغيرات، ويمدّ لسانه في إيحاءات جنسية، أو حتى ينام في سرير الطفلة متأبّطاً دميتها! أي أنّ السلوك ثابت، مستمر وإرادي، وليس فردياً أو صدفة.
تسأل نفسك: هل هو الكبت الجنسي؟ المتهمون بالكبت الجنسي هم عادة نحن، ولذلك قامت محرّرة "نيويورك تايمز"، آنات شوارتز، بفبركة قضية اغتصاب عناصر من حركة حماس لإسرائيلية. لكن الجندي فرنسي إسرائيلي، أيّ أنه، وحسب ما نعرفه عن تلك المجتمعات، هناك حرية جنسية تامة، خاصة في فرنسا، فلم؟
تتعدّد التقارير عن اغتصاب أسيرات والتحرّش بهن وتعريتهن وإذلالهن، خاصة المحجبات منهن
ليس جديدًا بالطبع استهداف نساء الأعداء خلال الحروب بالتحرّش والاغتصاب وحتى كما فعل تنظيم "داعش" الإرهابي بالاستعباد الجنسي. فالرغبة بمحو الآخر عبر امتلاكه بالقوة تأكيداً لمن هو المسيطر، هو السيناريو الذي يجتاح وعي الغازي، ولاوعي المغتصب، فكيف الجمع بين الصفتين؟
تتعدّد التقارير عن اغتصاب أسيرات والتحرّش بهن وتعريتهن وإذلالهن، خاصة المحجبات منهن. وأكاد أقول والألم يعتصر قلبي، إنّ هذا متوقع.
لكن، ما هو غير متوّقع أن تكتشف أنّ شهوة الجنود الإسرائيليين المريضة لا تقتصر على نساء "الأعداء". فبقليل من التصفح تعثر على مئات المنشورات التي تتناول التحرّش والاغتصاب داخل الجيش نفسه، أي بين المجنّدين والمجنّدات.
هكذا، تقرأ تقريراً نشره موقع "هآرتس" عن "تقديم 1542 شكوى تحرش جنسي في الجيش الإسرائيلي في العام 2020، دون أن يتم تقديم لوائح اتهام بحق مرتكبي غالبيتها العظمى". وحسب التقرير، فإن "بعض الجناة يعودون إلى مناصبهم حتى قبل استكمال الإجراءات القانونية ضدهم".
كما نقل موقع الكنيست، شهادات لمجنّدات، كالمجندة المسرّحة من الخدمة، أور نحيميا، التي شهدت بأنّ قائدها، ركّب كاميرا خفية في غرفتها. وبعد اكتشاف الكاميرا، تقدّمت بشكوى حيث اكتشفت خلال التحقيق أنّ القائد نفسه متوّرط في 49 حادثة مماثلة، وبالطبع بقي في منصبه.
شهوة الجنود الإسرائيليين المريضة لا تقتصر على نساء "الأعداء"، بل ثمّة تقارير كثيرة توّثق الاغتصاب داخل الجيش الإسرائيلي نفسه
لكن لنعد لموضوعنا: كيف ينشر الجنود تلك الصور التي توثق جرائمهم على السوشل ميديا؟ ألّا يعلمون أنّهم تحت مراقبة المؤسسات ومنظمات حقوق الإنسان الدولية التي توثق كلّ ما يفعلونه لاستخدامه ضدهم؟ وإن كانوا بلا مخ لهذه الدرجة، ألا يفهم قادتهم ذلك؟
صحيح أنّ بنجامين المذكور أعلاه، وبعد تداول صوره مع تعليقات اشمئزاز وإدانة، أقفل حسابه، إلّا أنّ العديد من الجنود غيره لا زالوا ينشرون فيديوهاتهم وصورهم، خاصة على "إنستغرام" و"تيك توك". فما هو منبع هذا السلوك؟ ربّما كان الجواب تعوّد الاستباحة. أي التمكّن دائماً وبالتواطؤ مع السلطات، إن كانت عسكرية أو مدنية أو قضائية أو دينية، من النفاذ من العقاب.
كيف ذلك؟ بحكم التمييز العنصري الذي يمتّع "شعب الله المختار" به نفسه. بتعاليه عن التساوي مع بقية "الأغيار" أمام القانون، ولو كانوا مواطنين مثله في كيان الاحتلال كما فلسطيني النكبة، المضطرين للبقاء في أرضهم، تقبّل هوية المحتل.
إنّهم يقولون للجميع: نفعل ما نشاء، فنحن إسرائيليون. يحمينا ميزان القوى الراجح لمصلحتنا، وبالتالي لا يهمنا أيّ قانون أو محكمة، إن كانت دولية أو محلية. نحن أقوياء ومحميون من كلّ قانون يقع تحت سلطته بقية الناس. فبقية الناس ليسوا بشراً. نحن البشر، أما أنتم؟ فمجرد "حيوانات بشرية".