بقصيدة واحدة تصبح وزيراً للإعلام

14 يناير 2019
+ الخط -
قال الأستاذ كمال مخاطباً الأصدقاء المجتمعين في جلسة الإمتاع والمؤانسة: أنا لازم أعتذر لكم عن استئثاري بالحديث. صايرة حالتي متل حالة ابن بلدنا أبو عبوش الذي كان يستبسل في منعنا من الكلام، وبين الحين والآخر يقول "الكلام بشمار"، ويشرح لنا معنى كلمة البشمار بأنها أخذ وعطا، وكلام واستماع، وحالة تشاركية، فإذا حاول أخو أخته أن يأخذ حصته من الكلام سرعان ما يقول له: بلا مقطوع لحديثك على راسي وعيني، أنا بشوف أنه.. ويسرح ربع ساعة أخرى دون أن أي فاصل منشط.

قال أبو الجود: كنت بدي آخد حصتي من "البشمارية" بس خفت ما تضربني أنت على إيدي متلما بيعمل أبو عبوش.
قال كمال: أبداً. أنا مصغ إليكم. تفضلوا.

قال العم عمر: بعتقد أن قصة الشاعر "دال واو" لسه في إلها تتمة. أنت قلت إنه طَلَبْ من السجان ياخده ويخليه يقابل العميد رئيس الفرع.
قال كمال: نعم، والسجان اعتقد أن الشاعر عنده أسرار تهدد أمن الوطن، والعميد قال للسجان: روح جيب هالشاعر الجحش لنشوف.

قال أبو زاهر: هادا الضابط العميد أعلى شهادة حصل عليها هي الثانوية، وبعدها راح إلى الكلية الحربية وانقطعت علاقته بكل العلوم المدنية. ومع ذلك يقول عن الشاعر الكبير، بكل بساطة، إنه (جحش)!.. والحقيقة أن هاي العبارة ذكرتني بحادثة صارت في مدينة حلب في سنة 2011، مع بداية الثورة.

ابتسم كمال وقال: شايفين كم أنا ديمقراطي. سمحت لأبو زاهر يقاطعني ويحكي حكاية تانية.
قال أبو الجود: أيش صار في حلب أستاذ أبو زاهر؟


قال أبو زاهر: كانت مجموعة من الأمن الجوي عم تفتش بيت واحد دكتور في قسم الفلسفة بجامعة حلب، و"المساعد أول" المسؤول عن التفتيش ماسك قبضة اللاسلكي وعم يحكي مع رئيسه المباشر الموجود في الفرع ويشرح له عن مشاهداتهم في منزل الدكتور، إلى أن وصلوا إلى غرفة المكتبة، فقال المساعد أول:
- سيدي هادا الدكتور الحمار لقينا عنده مكتبة كبيرة!

ضحك الحاضرون وقال كمال:
- الخلاصة أن الحديث بين الشاعر "دال واو" والعميد رئيس الفرع كان ينتمي إلى ما يُعْرف باسم (حوار الطرشان).. إذ بمجرد ما دخل "دال" إلى مكتب العميد، سارع العميد إلى عرض فكرته عليه. قال له: أنا سألت عنك طوال هالفترة، وأكد لي رفاقنا في اتحاد الكتاب ورفاقنا في جريدة البعث وفي جريدة الثورة وجريدة تشرين أنك شاعر أخو حفيانة، يعني شاعر قوي و(فيك مِنْ حالَكْ)، منشان هيك أنا بدي أعرض عليك عَرض أكيد راح يعجبك، وهو أنه نحن نطلق سراحك اليوم، ومنستنى عليك 15 يوم، بيكون اقتربت ذكرى الحركة التصحيحية المجيدة، وبتحط إيدك على ضميرك، وبتعمل قصيدة مديح (أخت حفيانة) بحق قائدنا المفدى بو باسل، ولك علي أحكي مع جماعة القصر أنهم ينزلوا اسمك في المهرجان الخطابي، بتحضر في الصف الأول، وبتلقي القصيدة بحضور السيد الرئيس، وأبداً مانها بعيدة أنهم يحطوك وزير ثقافة أو وزير إعلام بأول تشكيلة وزارية قادمة، يا إما إذا طلع رفيقنا علي عقلة عالتقاعد ممكن نحطك رئيس لاتحاد الكتاب.. بقى شو قلت؟

قال الشاعر دال واو: أنا عن جد أشكرك وأشكر القيادة الحكيمة. ولكن بصراحة أنا جيت لعندك منشان شي تاني. فيا ريت تستمع لي وتتفهم مقاصدي.

شعر العميد بالضيق، فقد كان يعتقد أن الشاعر سوف يطير من الفرح عند سماعه هذه العروض السخية. وقال له: شو بدك تقول.

قال الشاعر: كنت حابب أني أبلغك أن عناصركم خلال وجودي هون في الزنزانة أطلعوني على نماذج مهمة من قصائد مديح السيد الرئيس، وحيال هذه النماذج حصل معي شيء غريب، وهو أن قريحتي الشعرية جفت، وصرت أخجل من أن أكتب قصيدة وألقيها وأنشرها فيجدها النقاد هزيلة بالمقارنة مع قصائد الشعراء الكبار.. لذلك طلبت مقابلتك لكي أعرض عليك فكرة إخراجي من هنا مقابل أن أكف عن كتابة الشعر في ما تبقى من حياتي، كل الشعر، مديح وهجاء واجتماعي وإنساني.. وبالنسبة لدواويني الشعرية السابقة أتعهد بعدم طباعتها في ما لو نفدت طبعاتها، وحينما أكتب سيرة ذاتية لن أكتب خلالها أنني شاعر، أو أنني كنت شاعراً في يوم من الأيام!
دلالات
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...