اللغة العربية بين المسؤول والمترجم
عقب نشر مقالي: "معشوقتي اللغة العربية" اتصلت بي صديقة تعمل مترجمة فورية، ويشغلها حال لغتنا العربية، كمثل أغلب المترجمين الغيورين على لغتنا، والواعين بأهمية العناية باللغة الأم وما يتبعها من تحسين لوظائف المخ لاكتساب لغات أجنبية بمهارة واقتدار، كما يقول علماء اللغة.
اتصلت بي لتهنئني على المقال، وفي صوتها نبرة فرح وسرور عارمين تحسّستهما أذنايَ وسعدت بهما، وقالت لي: "إن المقال أتى على الجرح، وأصاب كبد الحقيقة، تلك الحقيقة التي تؤلمني وغيري من المترجمين في أثناء عملنا في "كابينة" المترجمين، فنحن نعاني في أثناء قيامنا بمهمتنا في الترجمة الفورية لمؤتمرات دولية يشارك فيها مسؤولون مصريون وأجانب على مستوى رسمي، فما نعاني منه هو ما نلمسه من ركاكة اللغة العربية لدى أغلب المسؤولين في بلدنا على كلّ المستويات، الأعلى والأدنى، إلى درجة أن أغلبهم يعاني بالفعل من فقر واضح في اللغة العربية، بل وعجز إلى حدٍّ كبير في التعبير بأي لغة، سواءٌ العربية أو الأجنبية؛ ذلك الفقر الذي يوجع الغيورين على لغتنا الأم، وخاصة المترجمين منهم، لأنهم يرون عن قرب مدى حرص الأجنبي على لغته الأم وتمكنه من التعبير بها، خاصة عندما يتحدث على مستوى رسمي، إضافة إلى تهاون الفرد العربي في لغته لدرجة التفريط مع الأسف".
أنهت صديقتي المكالمة بعبارة باعثة على الغضب والشعور بالحزن والأسى، على الأقل بالنسبة إليّ، إذ قالت: "إنّ وضع اللغة العربية في مصر كارثي، وينبئ بتشوّه محتمل لأهم ملامح هُويتنا، وهو اللغة".
أصغيت إلى ما قالت صديقتي وكلّي أسف، بل وأسىً أيضاً، لما آلَ إليه مستوى لغتنا بيننا نحن أهلها، وانتبهت بعناية إلى الزاوية التي رأت منها مقال "معشوقتي اللغة العربية"، وبناءً عليه حرصت على متابعة الأحاديث الرسمية في بلدنا العزيز متابعة جادة، فأوجعني المستوى المتردي للغة لدى أغلب كبار المسؤولين في بلدنا.
فقر اللغة ينتج عنه تقزم في العقل ومن ثم محدودية في التفكير
ولن أذكر لك يا قارئي العزيز أشخاصاً أو أحاديث أو تصريحات رسمية بعينها حتى لا تنحصر الكارثة في هؤلاء الأشخاص أو تلك التصريحات والأحاديث؛ لكنني سأترك لك متابعة الأمر بنفسك والحكم على مستوى اللغة العربية لدى أفراد مجتمعنا عامة، ولدى أغلب المسؤولين على المستوى الرسمي خاصة، فالأمر أصبح، فيما أرى، ظاهرة في غاية الخطورة، ففقر اللغة ينتج منه تقزم في العقل، ومن ثم محدودية في التفكير كما ثبت علميّاً؛ لذا لا بد من التصدي لهذه الظاهرة بكل ما لدينا من قوة من أجل الحفاظ على أهم مظاهر هويتنا التي تتمثل بلغتنا الأم.
وأخيراً، أرى أننا إذا كنّا كأفراد لا نستطيع إصلاح لغتنا العربية على المستوى الرسمي في ظلّ تهاون الدولة في أهم ملامح هويتنا، سواء على مستوى المسؤولين، أو على مستوى سياسات التعليم المُستهينة باللغة الأم والغافلة عن العواقب الوخيمة لهذه الاستهانة، فلنبدأ في إصلاحها على المستوى غير الرسمي، وذلك بأن يكون أولى أولويات الآباء تعليم أولادهم لغة عربية سليمة، وإيلاء ذلك اهتماماً خاصاً.