الحرية لـ"الإرهابيين"!
طفا خلال الأيام الماضية إلى السطح نقاش قديم، يتمحور حول لمن من نطلب الحرية، وبأيّ ضوابط أو شروط؟ وهل المعايير التي تضعها الدولة هي المحدّدة لنا، أم أنه يجب أن يكون للمعارضين السياسيين رأي آخر؟ ماذا عن الاتهامات التي تلقيها النيابة العامة والأجهزة الأمنية جزافاً على كلّ المسجونين السياسيين من اليمين إلى اليسار، وفي القلب منهم الإسلاميون؟
لا يوجد شخص تمّ اعتقاله من 2013 حتى الآن، رجلا كان أو امرأة، إلا وكان ضمن التهم، وعلى رأسها: الانتماء إلى جماعة إرهابية.
قبل ذلك، أذكر بأنّ هناك عشر سنوات مرّت على تحرّك الجنرال، وعشر سنوات على مذبحة رابعة والنهضة، وعشر سنوات من عشرات السجون وعشرات الآلاف من المعتقلين، وعشر سنوات من النار التي طاولت الجميع، وعشر سنوات من الخلاف والفرقة والأمراض السياسية التي تنتقل مع الأغلب من عام لآخر، عشرية مرّت، وما زال هناك من يخشى تبني الحدّ الأدنى من المطالب التي فيها النجاة للجميع، كما في مبادرة "أول سبع خطوات"، و"الحرية للجميع". وهنا أقتبس بتصرّف خاتمة مقال قديم كتبه المحامي والحقوقي محمد عادل سليمان، وهي صالحة للاستخدام اليوم: "يجب التأكيد على أن هذه الخطوات لا يمكن اعتبارها سوى خطوة أولى نحو إثبات جدية أي تعهدات رسمية تتردد، حول إصلاحات أو انفراجة". وأضيف عليه أو حوار وطني.
سيقول البعض هذا كلام قديم، لكن هذا القديم يبقى متجدّداً، طالما لم تُؤخذ خطوات جدية في سبيله! ومن المفترض أن تكون المبادرة أو الطرح محلّ توافق من التيارات السياسية، حتى وإن كان من طرحها حقوقيين، لأنّها شاملة للحريات السياسية وحرية الصحافة، وهذه قاعدة من المفترض أن يكون الجميع في توافق عليها، كما يقول الجرّاح والمعارض الاشتراكي الثوري أحمد سعيد. وهنا أستغرب من المتواجدين في الحوار الوطني المصري عدم تبنيهم لهذه المبادرة، لأنّ هذه خطوات وإجراءات لازمة قبل أيّ حديث عن حوار أو غيره.
عشرية مرّت، وما زال هناك من يخشى تبني الحدّ الأدنى من المطالب التي فيها النجاة للجميع
وفي ذات الاستغرب، ما زلت أندهش من تعمّد الكثير تجاهل معتقلي التيار الإسلامي، من الذين يدعون الناس إلى مراجعة كلّ وأيّ شيء، تحت مسميات: الوطن، الوطنية، الحوار، التصالح، العبور إلى الأمام، بلد يسع الجميع... ومنذ عقد من الزمان، وحتى الآن، لم يراجعوا موقفهم من مجزرة ومذبحة رابعة والنهضة، خاصة من كانوا يتصدرون المشهد، وبعضهم كان يخرج على شاشات فضائيات محلية وعربية ودولية، ليدافع ويبرّر تصرّفات النظام.
هؤلاء أنفسهم لا يستحون وهم يردّدون الحرية لمعتقلي الرأي/ معتقلي التيار المدني، ولا يستخدمون لفظة المعتقل/ السجين السياسي، رغم أنّها أعم وأشمل. ولا إشارة، ولو بين السطور إلى عشرات الآلاف من معتقلي التيار الإسلامي، ويصرّون على هذا الاستثناء الوقح والجبان. بل ويتبنون خطاب الدولة (القاتلة) بأنّهم إرهابيون، أو بعض "حناكة" ليبرالية/ يمينية يصدرونها بـ"هنعرف منين إنهم مش متورطين في العنف/ الدم"، وكأنّ النيابة والقضاء اللذين حكما على بعضهم وأضاعا سنوات من عمرهم كانا محقين في ما قرّراه!.
لذلك فضاءات الحرية والمطالبة بها، والتي لا يتسع مجالها لعائشة الشاطر وحسيبة محسوب وهدى عبد المنعم وحازم أبو إسماعيل ومحمد بديع ومحمد البلتاجي وعصام سلطان وصفوت حجازي، ستضيق في وقت من الأوقات بأصحاب الحوار الوطني ولجنة العفو والمتمسكين بقانونية وشرعية محكمة أمن الدولة العليا طوارئ.
لن ينصلح حال هذا الوطن إلا عندما يطلب الجميع الحرية للجميع دون قيد أو شرط، وأن يؤمن الجميع بأنّ النجاة جماعية
لست قليل الأصل لأتنكر لعائلتي وأصدقاء ومعارف كثر من الإسلاميين، ولا توجد على رأسي "بطحة" الطابور الخامس/ مراكيب الإخوان/ البوابة الخلفية، لذا أحبّ الاشتراكيين الثوريين. الحرية تعني الحرية، ولا تعني غضّ الطرف عن مذبحة أو معتقل، تحت مسمّى احترام البزة العسكرية من جمال عبد الناصر وحتى الآن، أو احترام قانون الإرهاب الذي يسع الجميع.
لن ينصلح حال هذا الوطن إلا عندما يطلب الجميع الحرية للجميع دون قيد أو شرط، وأن يؤمن الجميع بأنّ النجاة جماعية. وذلك حتى نستطيع الوصول في يوم من الأيام إلى برّ مرحلة العدالة الانتقالية/ الجنائية/ التعويضية في وقت ما. ويدّينا ويدّيكم طولة العمر!.