أيًّا كانت نتيجة الثانوية.. اهرب!
في اللحظة التي يكتمل بها تحميل الصفحة، ويبرز الموقع النتيجة المرتبطة بالكود الذي أدخلته، وتجد بجواره مجموعك، لتحسب نسبتك المئوية، وتلمع عيناك فرحًا أو ترحًا، ويعانقك كلّ من حولك، ومن لحظتها يقرّر الحاضرون لك لقبًا تقريبيًّا على حسب نسبتك، تتخيّل نفسك في موقعك المستقبليّ؛ طبيبًا بالبالطو الأبيض الأنيق، أو مهندسًا بالخوذة الواقية، أو صيدلانيةً في عيادتها المتوّهجة، أو معلمًا وسط تلاميذه النجباء، أو محاسبًا في بنك مرموق، أو مدير تسويق بثياب رياضية في شركة بالدور الثلاثين، حيث يتنزل عليه إلهام الأفكار، أو محاميًّا له وقاره أمام هيئة المحكمة، أو أيّ وظيفة محترمة بعد التخرّج من الكلية المتوقعة.
هذه النظرة ذاتها التي تتبدّد تمامًا، بعد 4 إلى 7 سنوات في الجامعة ومواجهة الحقيقة المرة، فالبالطو مهما كان نظيفًا، سيعمل به الطبيب في مستشفى قذر لا يستحقه المصريون أبدًا، بنظافتهم وفكاهتهم وصدورهم النقية، ليواجه أعتى أعداء الصحة في آن واحد، القمامة، والقبح، والمسؤولين الحكوميين، وراتبًا لا يكفي ثمن مواصلاته، متقاضيًا ما يجاور 100 دولار تقريبًا، بينما يتقاضى نظيره في أيّ دولة في العالم عشرين ضعف ذلك المبلغ كبدايةٍ على الأقل.
والمهندس الذي لن يجد لنفسه مكانًا وسط هندسة القوات المسلحة التي تبني كلّ شيء، وتنفّذ كلّ شيء، بالفهلوة، ولا مكان للعلم ولا المتعلمين ما داموا لم يأتوا إلى الموقع بالبدلة العسكرية وكتّافات تحمل نجومًا أو نسورًا أو سيوفًا، وإن عمل خارج المضمار فلن يجني إلا أدنى مما يجنيه العمال الذين يصبّون الإسمنت في الأساسات، وهم بدورهم يتقاضون الفتات أصلًا!
والتعليم الذي يتخرّج فيه كلّ عام مئات الآلاف ولم يُعيّن فيه فرد واحد منذ نحو 9 سنوات، عدا مسابقة الـ"30 ألف" معلم التي لا تسدّ ولو معشار قوة العمل التي لا تجد ما تأكل، رغم كونهم معلمين، فسيُفاجأ هو أيضًا بالحقيقة المرّة، حيث لن يجد سبورةً ذكية ولا تلاميذ نجباء، وإنما أطفالا ضحايا لمنظومة فاشلة بالكامل، ووظيفة لا يُعترف بها حين يُنصّب الجهل نفسه حاكمًا.
لا مكان للعلم ولا المتعلمين ما داموا لم يأتوا إلى الموقع بالبدلة العسكرية وكتّافات تحمل نجومًا أو نسورًا أو سيوفًا
وصيدلانيا وطبيبا بشريا ومعالجا طبيعيا وطبيب أسنان وبيطريا وتاجرا ومحاسبا ومحاميا وفنانا ومصمما وإعلاميا وصحافيا وأكاديميا، وغيرهم، أيًّا كانت الوظيفة أو المسمّى الوظيفي أو اللقب الذي يسبقك أو يتبعك، فإنك في مصر ستكتشف أنك في النهاية لستَ إلا ترسًا فائق الجودة في ماكينة عطنة، ومصنع معطّل، وبناية آيلة للسقوط، وإدارة فاسدة، وأدوات مسروقة، تحت مناصب لا تقبل الترقية، لأنها محجوزة بالتزكية لأصحاب الرتَب، والسيادة، والسعادة.
في دولةٍ لا يشرف على بناء مبانيها المهندس سيد وإنما سيد بيه، ولا يدير مستشفياتها الدكتور سيد وإنما سيد باشا، ولا يعيّن معلميها الأستاذ سيد وإنما اللوا سيد؛ فإنك يا صديقي لن تجد مكانك إلا إن كنت أحد أبناء "النجوم والنسور"، الذين على كل حال لن يبقوا كذلك إلى الأبد، فأيًّا كان تخصصك، وأيّا كانت النتيجة التي حصلت عليها، إن كنت ستدرس في البلاد أو استطعت العبور خارجها، فإلى أن يشاء الله بالفرج، أنصحك صادقًا بالهرب!
وهذه ليست دعوة لإخلاء الوطن من مواطنيه ولا أبنائه، وإنما محاولة لإجلاء الضحايا قبل وقوع الكارثة، حتى إذا أراد الله الفرج وهم أحياء، وجدنا من يعود ليبني على "نضافة" وطنًا لأبنائه من جديد.