منذ بدأت أدرك الأشياء والهوايات والألعاب، راحت لعبة كرة القدم تلاحقني في المدرسة وفي موقف سيارات المبنى الذي نسكنه وفي الضيعة في أثناء العطل الصيفية أو عند الهروب من الحروب التي كانت تدور في بيروت بين الفينة والأخرى.
تقول القصة في كتاب القراءة إن الصباح الجديد يبدأ دائماً بصياح الديك. هكذا كنت أصحو في بيت جدتي في الضيعة حيث كانت تربي الدجاج، في غرفة صغيرة خلف منزلها، على طرف الحديقة الكبيرة.
في بعض الأحيان، تكون طريق العودة من المكان، أيّ مكان، مثل إعادة مشاهد من فيلم لطالما شاهدته وحفظت كلّ تفاصيله، حتى المشاهد الضبابية في خلفية المشهد الرئيس. مشاهد باتت كفيلم ثانٍ موازٍ للفيلم الأساسي، يحكي قصصاً أخرى لتجارب مختلفة.
قبل ذلك، لم أقم بمحاسبة نفسي مثلما يفعل كثيرون في نهاية كلّ سنة، أو بعد كلّ مرحلة مفصلية في حياتهم. وأخيراً، وأنا بكامل قواي العقلية، أقبلت على هذه التجربة في بداية الشهر الجاري، ديسمبر/كانون الأول.
غابت عن ذهني تفاصيل كثيرة من تلك الرحلة. وكنت أريد أن أخبر أهلي هناك أني ما زلت على قيد الحياة، وأني قادم إليهم، لكني كنت أريد أن أخبرهم أيضاً أني أعيش ونزحت مرة أخرى، وأن شعباً آخر شُرّد من أرضه.
نميمة: وشاية. صوت الكتابة. الصوت الخفيّ من حركة الأشياء أو الريح.
لم أجد مصطلحاً آخر غير النميمة والقيل والقال. حتى النميمة البيضاء ليس لها وجود. مجرّد تستّر على المغزى الحقيقي من أجل إتمام هذه العادة "السيّئة".
أفتحُ كرّاسة معزوفة موسيقيّة، وبصعوبة أحاول قراءة النوتات الراقصة على خطوط متوازية. معرفتي بسيطة جداً بهذه اللغة، وأستطيع التمييز ما بين الـ "دو" والـ "فا" والـ "مي".
لا أعرف لماذا شعرتُ كأنني سلحفاة تراقب خسةً قبل أن تبدأ بالتهامها، عندما قررتُ أن أذهب سيراً على القدمين إلى عملي، قبل الدوام بساعتين. تركتُ السيارة والدراجتين (الهوائية والنارية) مركونة في أماكنها المعتادة. ومشيت.
أيّاً منهما تفضّل؟ الباستا مع الخضار أم يخنة البطاطا مع الدجاج؟ هكذا أحاور نفسي كلّما أدخل إلى المطبخ، وأقف حائراً أمام الخزائن فيه قبل أن أغوص في محتوياتها من معلبات وأكياس ومراطبين تتفاوت أحجامها وتختلف ألوانها...