عديدة هي الأخطاء التي ارتكبها الرئيس السوداني المعزول عمر البشير خلال حكمه الطويل للبلاد، الذي دام 30 عاماً، لكن هناك قرارات من المؤكد أنها عجلت بعزله عن السلطة، وانتهت به حبيساً في سجن كوبر الاتحادي بالخرطوم بحري، وهو المكان الذي كان يحجز فيه خصومه.
رفع سعر الدولار الجمركي
في يناير/كانون الثاني 2018، اتخذت حكومة البشير قراراً، رفعت بموجبه سعر الدولار الجمركي من 6.9 جنيهات إلى 18 جنيهاً، ما أدى إلى ارتفاع هائل في أسعار السلع المحلية والمستوردة، وصلت نسبته في بعض السلع إلى 300 في المائة.
تسببت تلك النتيجة في غضب شعبي واسع أفقد البشير ثقله الجماهيري، وسرعان ما تحول ردّ الفعل إلى احتجاجات شعبية في يناير/كانون الثاني 2018، نجحت السلطات الأمنية في قمعها، في حين ظلّت نيران الغضب تتصاعد يوماً بعد يوم، حتى وصلت إلى مرحلة الانفجار الكامل في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
تصريح السيولة
أثناء عودة له من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، جمع البشير الصحافيين المرافقين له في الطائرة الرئاسية، ليدلي لهم بتصريحات عن الوضع الاقتصادي وعلاقات السودان الخارجية، وكلها في إطار عادي، لكن إعلانه عن نية الحكومة امتصاص السيولة النقدية من السوق، وتحديد سقوفات لسحب العملاء أرصدتهم من المصارف، تسبب في شح كبير في السيولة، ما أثار سخطاً واسعاً في البلاد، ساهم في إنجاح الثورة الشعبية عليه، والإطاحة به من كرسي الرئاسة الذي مكث فيه 30 عاماً.
إعادة قوش
لم يكن حزب المؤتمر الوطني الحاكم على توافق في ما يتعلق بترشيح البشير لدورة رئاسية جديدة، فعين الأخير في فبراير/شباط 2018، الفريق صلاح قوش مديراً لجهاز الأمن والاستخبارات، وهو ذات المنصب الذي تولاه من العامين 2004 إلى 2009.
الغرض الخفي للبشير من إعادة قوش كان تصفية التيار المناهض لفكرة إعادة الترشيح، غير أن قوش انشغل بمعاركه الشخصية مع خصوم قدامى له داخل النظام، سبق أن أودعوه المعتقل نهاية 2012 بتهمة التخطيط للانقلاب على النظام، لذا لم يكن قوش مهتماً بتثبيت ركائز حكم البشير، وحينما وصل الثوار لمحيط القيادة العامة في 6 أبريل/نيسان الماضي، يعتقد البعض أن الأجهزة الأمنية تراخت في التصدي لهم، فضاق الخناق على البشير. وفي لحظة مفصلية، كان قوش هو صاحب الاقتراح بعزل البشير الذي طرحه على قيادة الجيش والأمن وقوات الدعم السريع، فتمت الموافقة على المقترح وتنفيذ خطة كاملة أعدها قوش أنهت حكم من عيّنه في المنصب وأقسم أمامه بالولاء له.
إقصاء أقرب الأقربين
بعد إبعاد الفريق محمد عطا من جهاز الأمن والاستخبارات، واصل البشير حملة إقصاءٍ في الحزب والحكومة شملت أقرب المقربين إليه، أبرزهم إبراهيم محمود حامد، الرجل الأول في الحزب الحاكم، ووزير الخارجية إبراهيم غندور، وعبد الرحيم محمد حسين من ولاية الخرطوم. وفي 22 فبراير/شباط الماضي، أبعد البشير ساعده الأيمن بكري حسن صالح، من منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية، وجاء بعوض بن عوف بدلاً عنه، والأخير هو من أذاع بيان الإطاحة بالبشير قبل أيام.
كل تلك القرارات أثرت على التماسك الداخلي للحزب والحكومة. وفي أيامه الأخيرة، لم يجد البشير من يقف إلى جانبه ويدافع عنه سوى قليل من القيادات الحزبية، إذ حتى قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دلقو (حميدتي) وهو صناعة بشيرية بامتياز، تباطأ في الدفاع عن البشير وانضم للأصوات المنادية برحيله.
تفويت فرصة التنحي الآمن
لم يكن دستور السودان لسنة 2005 يسمح للبشير بالترشح لدورة رئاسية جديدة، وكانت هناك فرصة له للابتعاد عن المسرح السياسي بهدوء، لكنه فعل العكس، فأجاز المؤتمر الوطني على مستوى مجلس الشورى تسميته مرشحاً لرئيس الجمهورية خلال انتخابات 2020، ما خلق حالة من عدم الرضا في الأوساط السياسية والشعبية. وحينما تحولت الإجراءات لخطوة جديدة بتقديم حزب البشير وحلفائه مقترحاً للبرلمان لتعديل الدستور، كان ذلك واحداً من دوافع الغضب الشعبي، وقد حاول البشير التراجع عن الفكرة بطريقة خجولة في خطابه الشهير في 22 فبراير /شباط الماضي، بالطلب من البرلمان بتأجيل النظر في التعديلات الدستورية، لكن بعد فوات الآوان.
زيارة سورية
في 17 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قام البشير بزيارة سرية لسورية، تمّ الكشف عنها بعد نهايتها، وعدت الزيارة التي التقى فيها البشير بشار الأسد، الأولى لرئيس عربي.
وأثارت الزيارة شكوكاً كبيرة حول دوافعها، مع التشكيك في أن السعودية والإمارات هما من أمر البشير بالذهاب إلى هناك. وتحفظت على الزيارة دولٌ مثل تركيا التي تعتبر واحدة من حلفاء نظام البشير، ويقال إن دولاً بعينها قررت سحب البساط من تحت أقدام الرئيس السوداني نتيجة لتلك الزيارة.
وليس من الصدفة وحدها أن تكون بداية الثورة الشعبية في السودان بعد يومين فقط من تلك الزيارة المثيرة للجدل.
قمع المتظاهرين
حينما خرجت التظاهرات والاحتجاجات في غالب المدن السودانية نتيجة تدهور المعيشة وغلاء الأسعار وشحّ السيولة وندرة سلع ضرورية، استهتر البشير بحجمها، ووجه اتهامات للمشاركين فيها بأنهم عملاء لإسرائيل ولحركات متمردة، وأمر قواته بمجابهتها بالقمع دون التعاطي مع مطالبها الاقتصادية والمعيشية.
ومع كل تصريح للبشير، ظلت الاحتجاجات تتصاعد من حيث العدد، حتى وصلت إلى حشود ضخمة. حينها بدأ البشير بمغازلة المتظاهرين، خاصة الشباب منهم، بالحوار معهم وترغيبهم بالوظيفة وتوفير فرص الترفيه، لكن في ذلك الوقت لم يكن بقي لأحد القدرة على الاستماع للبشير، فكيف على تصديقه.