500 دواء يختفي في شتاء مصر

28 ديسمبر 2015
استغل البعض الوضع لترويج أدوية مزورة (فرانس برس)
+ الخط -
يشهد سوق الدواء المصري في الوقت الراهن اختفاء أكثر من 500 صنف، منها ما هو ضروري وأساسي لحياة المرضى، مثل المضادات الحيوية والفيتامينات، وأدوية العيون والسكر، وضغط الدم والجلطات والكبد والكلى والأمراض العصبية والنفسية، ومضادات الاكتئاب ونزلات البرد، وغيرها.

تتهم نقابة الصيادلة شركات الأدوية برفع الأسعار من دون مبرر. بينما تؤكد الشركات أنها اضطرت إلى رفع الأسعار بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام، وقلة المتوافر من العملة الصعبة لشراء المواد اللازمة لإنتاج الكميات المطلوبة. وهو ما يفتح الباب أمام عصابات الدواء المزور.

وصول الأزمة إلى المستشفيات الحكومية والخاصة دفع أهالي بعض المرضى إلى التهديد بافتراش أرضية المستشفيات. ومن هؤلاء خصوصاً أصحاب الرواتب التقاعدية الذين يؤكدون أنّهم لا يستطعيون شراء الأدوية بأسعارها المرتفعة بسبب تدنّي رواتبهم.

أبرز الأدوية المفقودة في الأسواق في الوقت الراهن هي "الأنسولين" للسكر، و"ميكوناز أورال" لفطريات الأنف والفم، و"ايزوبتوكاربين" و"ابيكسول" لمشاكل العين والماء الزرقاء، و"كومبيفنت" للأمراض الصدرية، و"أفيل ريتارد" للحساسية والحكة، و"لاموركسفين 500" للسرطان، و"ابتروملك 400" لأمراض القلب، و"بروكتو 4" للبواسير والتشققات الشرجية. وكذلك "هالوبريدول" للأمراض النفسية، و"سبازموكانيولاز" للقولون العصبي، و"هيموتن" المجدد لخلايا الدم، و"دايسينون" المضاد للنزيف. يضاف إليها أدوية الأعصاب وأهمها "أديونسين" و"أديونوبليكس". وأيضاً "لوكاكورتين" لالتهاب الجلد، و"اسينشيال فورت" للكبد، و"كونترولوك" لقرحة المعدة، و"إيفورتيل" لضغط الدم.

بدوره، يعتبر صيدلاني، يرفض ذكر اسمه، أنّ اختفاء الأدوية يمثل مشكلة أمن قومي، فهو يدلّ على انهيار الصناعة الدوائية في مصر. يتساءل: "كيف لدولة فيها أكثر من 90 مليون نسمة أن تختفي الأدوية من صيدلياتها"؟ ويتابع أنّ نقص الأدوية يؤدي إلى زيادة نسبة انتشار أمراض العدوى، وارتفاع نسبة الموت المبكر. ويشير إلى أنّ الأزمة تزداد عادة كلّ شتاء.

تبدو الأزمة أسوأ في العمق، فعدد من مصانع الأدوية مهدد بالإغلاق نهائياً بسبب الخسائر الفادحة التي يتعرض لها. من جهتها، تقف وزارة الصحة المصرية مكتوفة الأيدي. في ظلّ هذا الوضع، يستغل البعض غياب أدوية الشركات القومية، ويعمدون إلى إنتاج أدوية مزورة غير صالحة للاستخدام البشري، في ظل غياب أي دور لنقابة الصيادلة. ويمتلئ الكثير من رفوف صيدليات مصر خصوصاً العاصمة القاهرة بتلك الأنواع من الأدوية، التي تحمل نفس اسم وشعار الدواء الأصلي، مما يتسبب في حدوث مضاعفات لدى المرضى.

يعيد الصيدلاني محمد صلاح انتشار أمراض الكلى والكبد في مصر في جزء منه إلى تلك الأنواع من الأدوية التي يطلق عليها شعبياً اسم "أدوية بير السلّم". يطالب بضرورة توجيه تهمة "القتل العمد" لمرتكبي هذه الأفعال التي يصفها بـ"غير الإنسانية". ويشير إلى أنّ الغش الدوائي أصبح سمة أساسية داخل المجتمع المصري، وتخطت نسبته 30 في المائة، بعدما كانت مصر من الدول الرائدة في إنتاج الأدوية. يضيف أنّ "مافيا صناعة الدواء المزور نجحت في توفير مجموعة من الأشخاص الذين يمرون على الصيدليات المختلفة المشاركة في جريمة الترويج لأدوية بير السلّم".

كذلك، يقول الصيدلاني إسماعيل إبراهيم إنّ "السبب الرئيسي لانتشار أدوية بير السلّم، رفض الشركات استرجاع منتجاتها الكاسدة من الصيدليات خوفاً من الخسارة. وهو ما يسهل عمل العصابات التي تمرّ على الصيدليات وتجمع تلك المنتجات الكاسدة، بدعوى إعادتها إلى الشركات، ثم تعيد تعبئتها بشكل عشوائي وتبيعها مجدداً على أنّها أصلية".

من جهته، يعتبر الصيدلاني ياسر متولي أنّ موافقة وزارة الصحة على طلب الشركات رفع أسعار الأدوية سيؤدي إلى استمرار عملها في إنتاج الأدوية. لكنّ ذلك سيفتح الباب أمام السوق السوداء من أجل المتاجرة بآلام المرضى خصوصاً الفقراء ومحدودي الدخل في إنتاج أدوية مزورة رخيصة الثمن. ويطالب متولي مجلس النواب المقبل بصياغة تشريعات تنص على عقوبات رادعة.

في المقابل، يؤكد مصدر في نقابة الصيادلة أنّ النقابة أرسلت إلى وزارة الصحة قائمة بأهم الأدوية غير المتوفرة في الصيدليات لتوفيرها بشكل عاجل للمرضى، لكنّ الوزارة لم تتحرك. كما يشير إلى أنّ توقف صناعة الدواء في مصر يعني الحاجة إلى 240 مليار جنيه (30.6 مليار دولار أميركي) لاستيراد الدواء من الخارج سنوياً، وهو ما يهدد اقتصاد البلاد.

يشدد المصدر على عدة أسباب تؤدي إلى نقص الدواء، منها "عدم وجود مصانع منتجة للمواد الخام، ما يجعلنا نستورد من الخارج بالعملة الصعبة. وكذلك البيروقراطية المتبعة في وزارة الصحة، فهناك أنواع عديدة من الأدوية تخضع لرقابة هيئة الرقابة الدوائية لفترات طويلة قد تمتد لأشهر من أجل التأكد من مطابقتها للمواصفات المعتمدة من قبل الهيئة".

اقرأ أيضاً:
المساهمون