على الرغم من الإنفاق الضخم الذي تقوم به الحكومة السعودية لعلاج مشكلة الفقر، إلا أنها لا تزال على حالها دون تحسن، بل باتت في اتساع أكبر مما يحرزه معدل التضخم من ارتفاع شهري لا يتجاوز 0.4% كمتوسط شهري على أقصى التقديرات.
وخلال السنوات الست الماضية، أنفقت السعودية أكثر من 40 مليار دولار على المنتسبين للضمان الاجتماعي والأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة، إضافة إلى نحو 10 مليارات دولار صرفت خلال السنتين الماضيتين لإعانة العاطلين من العمل، غير أن هذه المبالغ لم تسهم بحل جذري للمشكلة التي يُعتقد بأن ضعف الرواتب سببها الأول.
ولا يوجد في السعودية تحديد رسمي لمستوى الفقر، غير أن مؤسسة الملك خالد الخيرية أكدت في تقرير حديث أن خط الكفاية في السعودية يبلغ 8926 ريالاً (2380 دولاراً) شهرياً للأسرة الواحدة التي لا تزيد عن خمسة أشخاص.
وجاء تحديد هذا الرقم بناء على مجموع المتوسطات الحسابية الشهرية لعشرة احتياجات رئيسة للأسرة وهي السكن، الأكل، الملبس، الرعاية الصحية، الحاجات المدرسيّة، حاجات الرضّع، الكماليات، المواصلات، الخدمات الأساسية، الترفيه.
وأكدت المؤسسة التي تعتبر الأكبر والأنشط من نوعها في البلاد، أن من يقلّ دخله عن هذا الرقم فهو يعيش تحت خط الفقر. لكن ثمة مراقبين يقولون إن هذا المعدل يضع أكثر من 80% من السعوديين دون خط الفقر، لأن متوسط الرواتب في البلاد الأكثر إنتاجا للنفط أقل من ذلك بكثير، خاصة لدى مليون ونصف مليون موظف يعمل في القطاع الخاص.
ويعيش أكثر من 2.8 مليون سعودي على معونة الضمان الاجتماعي التي تبلغ 850 ريالا (227 دولارا) شهريا، فيما يعيش نحو 1.8% من السعوديين على إعانة العاطلين من العمل والتي تبلغ ألفي ريال (533 دولارا).
ويشكل مجوع الفئتين أكثر من 22.5% من السعوديين، غير أنه بالعمل بالخط الذي حددته جمعية الملك خالد الخيرية ستكون النسبة ثلاثة أضعاف هذا الرقم.
أرقام كبيرة
ويعتبر المحلل الاقتصادي والمهتم بأمور التوظيف والبطالة برجس البرجس، أن للفقر في المملكة عدة تعريفات، أهمها هو ما حددته مؤسسة الملك خالد.
اقرأ أيضاً: العرب يغرقون في الفقر.. والعدالة الاجتماعية لا تعرف حياتهم
وقال البرجس لـ "العربي الجديد": "هذا يعطي مؤشرات خطيرة، فمتوسط الرواتب في السعودية أقل من ذلك بكثير، ففي القطاع العام لا يتجاوز 4800 ريال وفي القطاع العام نحو 7000 ريال، المعدل قليل ولكن القائمين على علاج هذه المشكلة مازالوا غير قادرين على إيجاد حل لها".
ويشدد البرجس على أن الدولة صرفت مبالغ كبيرة على علاج الفقر، ولكن بلا نتائج ملموسة، وأشار إلى أن من يدخلون في دائرة الضمان الاجتماعي، يتجاوز عددهم 850 ألف مستفيد، يعولون أكثر من 2.8 مليون شخص، وهو ما يشكل أكثر من 13% من السعوديين، ومن هؤلاء 400 ألف طالب من الابتدائي وحتى الجامعة.
وأضاف أنه رغم تخصيص الدولة ما يربو على 150 مليار ريال للأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة ومعالجة الفقراء، ضمن ميزانيات الأعوام الستة الماضية، لا تزال النتائج دون المأمول.
ويعتقد البرجس أن علاج مشكلة الفقر في السعودية يستلزم سلسلة إجراءات، منها علاج البطالة، وتأمين العلاج والسكن ومكافحة ارتفاع الأسعار، وتحسين سوق العمل والأجور.
أكثر من متسبب
ويحمّل رئيس المركز السعودي للاستشارات ناصر القرعاوي، أكثر من جهة مسؤولية تنامي الفقر في السعودية، مشددا على أن الدولة تقوم بصرف مبالغ كبيرة، ولكن ضعف مساهمة رجال الأعمال والقطاع الخاص يقوض هذه الجهود.
وقال القرعاوي لـ "العربي الجديد": "الدولة تسعى بشكل جاد لعلاج الفقر في البلاد، ولديها عدد كبير من البرامج لمعالجة مستوى المعيشة وما يتعلق بالرواتب ولمن هم خارج إطار التوظيف، هناك أكثر من 2.8 مليون تحت مظلة الضمان الاجتماعي، فضلا عن أن لدى المملكة أكبر عدد في العالم من الجمعيات التعاونية والخيرية".
وحمّل القرعاوي بعض من يقبعون تحت خط الفقر مسؤولية تراجع وضعهم الاقتصادي، كونهم لا يسعون للعمل الجاد، وفق تعبيره.
وقال: "في دول أخرى ربما تكون أكثر ثراء من المملكة، يُنفق المواطن على تعليمه وعلاجه وخدماته، بينما توفر السعودية لمواطنيها دعماً كبيراً للكهرباء والماء والوقود، وتخصص 30% من الميزانية السنوية لدعم السلع الأساسية، هذا دعم يستفيد منه حتى غير السعوديين".
اقرأ أيضاً: السعودية تخصص 373 مليون دولار مساعدات للفقراء