كشف رئيس مجموعة عمل اقتصاد سورية، أسامة القاضي، أن نسبة الفقر في البلاد تزيد عن 60% كحد أدنى بعد تهديم البنى التحتية للاقتصاد الزراعي وخروج 80% من المنشآت الصناعية عن العمل، فضلاً عن موجات التسريح التعسفي التي قامت بها حكومة بشار الأسد للعاملين في المناطق الثائرة بتهمة تأييد الثورة أو الإرهاب.
وأضاف في تصريحات لـ"العربي الجديد" أنه: "ليس من نسب دقيقة حول البطالة والفقر وبقية المؤشرات الاقتصادية، لأن الحرب تمنعنا كجهة بحثية من الوصول إلى جميع المدن السورية والوقوف على مستوى الدخل وطرق العيش التي يتدبرها السوريون، على الرغم من قيامنا بالعديد من الأبحاث والدراسات حول بعض المناطق المحررة، فضلاً عن فقدان الإدارة المركزية عن إدارة الاقتصاد وعدم امتلاك ما يسمى وزارات النظام من أمرها شيئاً، بما في ذلك التحصيل الضريبي وجباية فواتير الكهرباء والماء وتحصيل الرسوم من المعابر الجمركية التي خرجت عن سيطرتها".
وقدرت في وقت سابق لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الإسكوا" عدد من دخل تحت خط الفقر في سورية بعد الثورة بنحو خمسة ملايين سوري، يضاف إليهم خمسة ملايين فقير قبل الثورة وفق دراسة لهيئة التخطيط والتعاون الدولي الحكومية، ليصل إجمالي عدد الفقراء في البلاد إلى عشرة ملايين، وفق إحصاءات رسمية وغير حديثة.
ويقول رئيس هيئة شؤون اللاجئين بالحكومة السورية المؤقتة أيمن فهمي أبو هاشم، لـ"العربي الجديد"، إنه: "ليس لعاقل أن يطرح نسبة فقر في سورية تقل عن 75% اليوم، لأن سياسة التفقير والحصار المتبعة منذ أربع سنوات، أوصلت السوريين والفلسطينيين إلى بيع ممتلكاتهم، أو ما فاض منها عن التهديم والسرقة، كي يهاجروا أو يستمروا بظروف الغلاء الفاحش".
ويضيف: "يختلف تعريف الفقر بين دولة وأخرى، حيث لا يوجد تعريف دقيق ومحدد له، فالفقير في الدول العربية من الناحية المادية من يقل دخله اليومي عن دولار واحد، وفي الولايات المتحدة الأميركية من يقل دخله عن 15 دولاراً، أما إن اتفقنا أن الفقير هو من تنقصه المصادر المادية، كالطعام والشارب والملبس والمسكن فالأمر مختلف".
وبحسب دراسات دولية وإقليمية، فإن عدد السوريين الذين يرزحون تحت خط الفقر الأدنى هم 8 ملايين وتحت خط الفقر الأعلى 18 مليون سوري، ما يعني وصول النسبة إلى أكثر من 75%.
اقرأ أيضاً: الفقر يدفع السوريين إلى الانضمام لـ"داعش"
وزادت سياسة حكومة الأسد بالتخلي عن الدعم من نسبة الفقر، بعد رفع أسعار المحروقات والخبز والمواد المدعومة وانتهاج سياسة تحرير الأسعار، ففي حين زادت الأجور خلال العام الجاري، وعلى دفعتين، بأقل من 11 دولاراً، ارتفعت الأسعار بنسبة 40% بحسب مراقبين.
ويقول الاقتصادي السوري، صلاح يوسف، لـ"العربي الجديد"، إنه: "أدى الاتساع المتزايد للفجوة بين مستويات الأسعار، والدخل الشهري المنخفض، مع فقدان ما يزيد على 2.6 مليون فرصة عمل، إلى تغيير سلبي عميق في أنماط الاستهلاك للعائلة السورية وارتفاع نسبة الفقر".
وتابع: "لو قارنا بين متوسط إنفاق الأسرة عام 2009، البالغ رسمياً نحو 30 ألف ليرة (600 دولار)، وآخر رقم قياسي لأسعار المستهلك صادر عن المكتب المركزي للإحصاء في شهر أغسطس/آب من العام الماضي، لعرفنا أن الأسرة السورية تحتاج شهرياً إلى إنفاق نحو 96 ألف ليرة لتعيش بمستوى معيشة عام 2009. وبإضافة الزيادات المتكررة التي حصلت على أسعار جميع السلع المدعومة خلال النصف الثاني من العام الماضي، فإن متوسط الإنفاق الشهري يقفز بنهاية عام 2014 ليصل إلى 125 ألف ليرة، فيما لم يتجاوز متوسط الرواتب والأجور رسمياً أكثر من 22 ألف ليرة".
وفي حين يتفق اقتصاديون على أن معالجة مسألة التفاوت بين الدخول والإنفاق ومعالجة الفقر، تتم من خلال رفع الحدّ الأدنى للأجور العاملين في القطاعين العام والخاص، واستهداف الفقراء في أماكن وجودهم عن طريق منح إعانات نقدية فورية، أو عبر إجراء إصلاحات اقتصادية وتشجيع المشاريع والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ يلجأ النظام السوري إلى تثبيت الأجور ورفع الأسعار التي زادت 12 ضعفاً خلال الثورة، وفق ما يؤكد يوسف.
ويشير الاقتصادي السوري إلى: "تبعات قد لا تتبدى آنياً جراء سياسة التفقير، لعل أهمها دفع السوريين لبيع ممتلكاتهم والهجرة نحو البلدان الأوروبية، وبالتالي تملك الإيرانيين وغيرهم، ما سيؤدي إلى تغيير ديموغرافي متعمد يسهّل على النظام تقسيم سورية، هذا فضلاً عما يسببه الفقر من ترك الأطفال المدارس وانتشار عادات مدمرة دخلت على المجتمع السوري، كاللجوء للفصائل المسلحة التي تمنح رواتب، أو حتى الانحراف الأخلاقي الذي بدأ يتفشى بسبب التفقير والنزوح والهجرة".
اقرأ أيضاً: سورية الأولى عربياً في البطالة