‬الحراك اللغوي‮ ‬في‮ ‬المغرب

19 مارس 2019

(يزيد خلوفي)

+ الخط -
يكاد المغرب السياسي،‮ ‬في‮ ‬الوقت الراهن،‮ ‬يتحول إلى مشهد لغوي‮ ‬محض‮! ‬فالقضية اللغوية ‬تحرك‮ ‬البلاد،‮ ‬على عدة مستويات‮:
‬أولاها لغة التدريس في‮ ‬الشعب العلمية. ويهيكل السجالَ فيها سؤال محوري‮:‬ بأي‮ ‬لغةٍ‮ ‬يمكن تدارك الفارق العلمي‮ ‬بين المدرسة المغربية ومدارس العالم؟ وهو السؤال الذي‮ ‬تفجر على هامش القانون - الإطار المتعلق بالتربية والتكوين في‮ ‬البلاد‮، والمعروض على البرلمان‮.‬ وقد تفاوتت فيه النقاشات‮‬،‮ ‬من حيث‮ ‬الدرجة والطبيعة. ‬ووصلت الأمور إلى ‬حد‮ ‬تخوين من‮ ‬يدعو إلى‮ ‬تدريس العلوم باللغات الأجنبية،‮ ‬سيما الفرنسية‮.‬
كما تخترق المغرب،‮ ‬عبر كل طبقاته وتشكيلاته، لغة‮ ‬غاية في‮ ‬التوتر‮ ‬بخصوص النقاش حول الموضوع‮.‬ هناك من‮ ‬يهاجم دعاة تدريس العلوم بالعربية بالنفاق الاجتماعي‮، ‬ومحاولة تأبيد الفقراء في‮ ‬فقرهم،‮ ‬باعتبار أن مسؤولين كثيرين ‬يدافعون عن التدريس بالعربية ‬يوجهون أبناءهم إلى معاهد فرنسية، أو إنكليزية،‮ ‬وإلى الدراسة بلغات عالمية، ‮ليضمنوا لهم ارتقاء اجتماعيا، ‬ولا يمجدون العربية، إلا عندما‮ ‬يتعلق الأمر بأبناء العموم‮ ‬والشعب المغربي،‮ ‬على حد القول المتداول،‮ ‬ليس فقط‮ ‬في‮ ‬منصّات التواصل الاجتماعي،‮ ‬بل حتى على لسان القادة السياسيين‮.‬
ثانيها‮ ‬تتعلق باللغة الأمازيغية،‮ ‬ويهيكلها السؤال المحوري‮: ‬متى‮ ‬يرى مشروع القانون التنظيمي‮ ‬المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي‮ ‬للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في‮ ‬التعليم، وفي‮ ‬مجالات الحياة العامة ذات الأولوية،‮ ‬النور؟ وهو المشروع الذي‮ ‬تم اتخاذه بناء على أحكام الفصل الخامس من الدستور،‮ ‬والداعي‮ ‬إلى تحديد المبادئ العامة المؤطرة لتفعيل الطابع الرسمي‮ ‬للغة الأمازيغية،‮ ‬وكيفيات إدماجها في‮ ‬مجالات التعليم والتشريع والعمل البرلماني‮ ‬والإعلام والاتصال،‮ ‬والإبداع الثقافي‮ ‬والفني،‮ ‬وفي‮ ‬الإدارة والمرافق والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية،‮ ‬وفي‮ ‬الفضاءات والخدمات العمومية،‮ ‬وكذا تحديد مراحل تتبع هذا التفعيل وآلياته‮.‬
وبؤرة النقاش فيه ‬تهم الحرف الذي‮ ‬ستكتب به الأمازيغية،‮ ‬هل الحرف العربي،‮ ‬أو التيفيناغ،‮ 
‬وهو حرف الأمازيغية الأصلي‮.
‬النقطة الثالثة، وتهم‮ ‬المجلس الوطني‮ ‬للغات والثقافة المغربية‮، ‬وتتمحور‮ ‬حول‮ ‬صلاحيات المجلس وتركيبته وكيفيات سيره‮. ‬وسيجمع هذا المجلس كل المؤسسات المعنية باللغتين، العربية والأمازيغية،‮ ‬وباقي‮ ‬الهيئات المكلفة بتنمية التراث الثقافي‮.‬ ‮‬المجلس منتظر منه أيضاً، ‬اقتراح التوجهات الاستراتيجية للدولة في‮ ‬مجال السياسات اللغوية والثقافية‮. 
‮‬وكان المغرب،‮ ‬قد تجاوز‬،‮ ‬في‮ ‬سياق المصالحات الوطنية الكبرى، التي تزامنت مع مجيء العهد الجديد ،‮ ‬المأزق اللغوي،‮ ‬عندما بادر إلى‮ ‬الإفلات من الاستحالة اللغوية التي‮ ‬كانت تعيشها دول عديدة ذات التعددية اللغوية‮ المشابهة، ‬غير أن المآزق المرتبطة بالتدبير السياسي،‮ ‬في‮ ‬علاقته بتدبير الهوية،‮ ‬تعود بالنقاش الى محاذاة هذه الاستحالة،‮ ‬الشي‮ء الذي‮ ‬يشق المجتمع الى أنصاف عديدة‮!‬
وفي‮ ‬الرجع البعيد،‮ ‬يتأرجح النقاش بين الجذر اللاهوتي‮ ‬للغة والجذر القومي،‮ ‬في‮ ‬بناء خطاب سياسي‮ ‬معاصر،‮ ‬قلما‮ ‬يطرح، في‮ ‬العمق، العدالة اللغوية المطلوبة في‮ ‬تدبير مجتمع حي،‮ ‬ديناميكي‮ ‬يعيش إشكالات العصر والعلوم التي‮ ‬تفرض نفسها على‮ ‬الجميع‮.‬
ولهذا، لا نستغرب‮ ‬دخول النقاش إلى ‬دوائر الجنة والنار،‮ ‬بحيث الإحالة في‮ ‬كثير من منصات السجال على‮… ‬لغة آدم‮ (‬لسان آدم العربي‮) ‬وتقديس لغة الدين والسماء مقابل لغات مدنسة،‮ ‬كالدارجة المغربية أو الفرنسية المرتبطة بالاستعمار.. إلخ‮.
وهنا لا بد من فتح قوس للقول‮ إن شعوباً كثيرة‮ حاولت أن تجد لآدم وحواء لغةً للحديث، ‬فاللغة العبرية حلمت بهذا التتويج الأصولي،‮ ‬حسب القديس أغوستين،‮ ‬بالضبط‮. ‬واللغة الشيثية عاشت  التسامي‮ نفسه ‬مع الفيلسوف ليبنتز.. إذ كانت قد حلمت بالشيء‮ نفسه.‬
يمكن أن‮ ‬يعيد‮ ‬المتناظرون طرح المحاولة.‮ ‬وهنا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يتحول النقاش عن اللغات والتدريس بها إلى سؤال طاعن في‮ ‬الغيب: بأية لغةٍ تكلمت حواء مع أبينا آدم، وبأي‮ ‬لغةٍ رد عليها في‮ ‬أول خلاف حول الشجرة؟‮ ‬كما أن لغات التدريس الأجنبية ‬تعالج من هذه الزاوية‮، ‬كما لو أنها‮ ‬هي‮ ‬لغة الشيطان الذي‮ ‬أغرى الأبوين بالخروج من جنتهما‮..‬ وهو‮ ‬يتحدّث الفرنسية، ‬أو الإنكليزية‮.
768EA96E-E08E-4A79-B950-D8980EE5911C
عبد الحميد اجماهيري

كاتب وشاعر وصحفي مغربي، مدير تحرير صحيفة الاتحاد المغربية، مواليد 1963، عمل في صحيفتين بالفرنسية، من كتبه "أوفقير .. العائلة والدم.. عن انقلاب 1972"، ترجم كتابا عن معتقل تازمامارت. مسوول في فدرالية الناشرين المغاربة.