يتساءل اللاجئ: محقق أم قاضٍ؟

04 اغسطس 2016
لا خصوصية ولا هدوء (Getty)
+ الخط -
كان سؤالاً صعباً لم يخبره عنه أي من أصدقائه الذين سبقوه وحصلوا على إقامة، بصفة لاجئ، تتحمل الدولة الأوروبية معظم أعباء سكنه ومصاريفه الأساسية.

جلس على كرسي قبالة رجل من ذوي العيون الملونة، شعره قريب من لون البلاتين..
لم يكن محمد يجيد الإنكليزية فاستدعوا له مترجماً ذا بشرة داكنة، أو هكذا تصورها مقارنة مع الأوروبي ذي البشرة البيضاء التي تشف عن عروق زرقاء كامنة تحتها.


نعود إلى السؤال: هل أنت حاقد على النظام أم على الثورة؟
حرك عينيه في زوايا السقف العالي وسمح للحظات راحة صغيرة أن تستحكم خياله. أعاده صوت المترجم: ما بك؟

تذكر أن صديقه المحامي نصحه أن يتكلم بسوء عن كل ما هو مسلح على أرض سورية، حتى يحصل على حق اللجوء فأوصاه: لا تقل إنك مع النظام ولا مع أي جماعة مسلحة على الأرض، لا جيش حر ولا جيش إسلامي، وحاول الاختصار في الإجابة قدر الإمكان.
بمحاكمة عقلية صغيرة أجرى محمد عملية قياس، فقرر أن يجيب بأنه يرفض كل السلاح، وأضاف أنه لا يحمل حقداً على أحد.

أعجب الموظف الخمسيني الأشقر بجوابه، وافتر فمه عن ابتسامة رضا، فقد أدْرَجَ الأوروبيون عن أنفسهم في العقود الأخيرة أنهم شعوبٌ مسالمة متسامحة لا تجد في الأحقاد والانتقام طرقاً ناجعة لحل مشاكل الشعوب.

سأله المحقق: ماذا ستفعل في حال انتهت الحرب في بلادكم؟
قرر سريعاً أن يُظهر ولاءً إضافياً للبلد الذي سيحضنه وسيعلمه لغته ويفتح له أبوابه واسعةً للعمل وكسب النقود ليس بالليرة أو الدولار وإنما باليورو.
فقال بنبرة عالية: لن أغادر أرض هذه الدولة، فبلدي قد طردتني مع أبناء جلدتي ولن أعود إليها.
رفع المسؤول حاجبيه بملل وحك جبينه وأخبر المترجم أن المقابلة قد انتهت.

اتفق اللاجئون على تسمية الموظف الذي يُجري المقابلة معهم بالقاضي أو المحقق، لم يخطر لأحد أن يوضح للاجئين الصفة الفعلية لهذا الموظف، ولم يفكر اللاجئ المسوَّر بألف تساؤل في معرفة حقيقة منصب هذا الموظف.

راجع محمد المركز بعد أيام، واستمر يكرر المراجعة لمدة ستة أشهر قضاها في "الكامب"، حيث لا إقامة ولا حق لجوء. عَلِم فيما بعد أنه سيخضع لمقابلة جديدة ليتم النظر في أمره، ما يعني أن الدولة المستضيفة تود التأكد من ميول محمد وسرعته في تعلم اللغة، وخطوات تطور تفكيره التي سيخطوها قبل أن يُعطى إقامة طويلة ستؤهله الحصول بعد مرور ثماني سنين على الجنسية.

عانى محمد في معسكر اللجوء من الوجود لأشهر طويلة مع عدد كبير من الناس حيث لا خصوصية ولا هدوء، والخدمات سيئة حد الانفجار، فخطوط الإنترنت ضعيفة جداً، ومتقطعة، والتواصل مع الأهل والأصدقاء، في الداخل أو المنافي الأخرى، صوتياً، عملية شبه مستحيلة. بعد طول إلحاح وذهاب وإياب أُعطي موعداً لمقابلة جديدة بعد شهر.

حصل كثير من زملاء المخيم الذين كانوا يقيمون مع محمد على إقامة لسنة، وأحياناً لسنتين، وبدأ محمد، قبل خوض المقابلة التالية، برحلة بحث عن الخطأ الذي حال دون اجتياز المحاولة الأولى بنجاح.

عدم إجادة الإنكليزية، أو أي لغة أوروبية أخرى، له وقعٌ محبط في نظر الدولة المضيفة، بالإضافة لإجابة محمد غير الموفقة عن رغبته بالبقاء في بلادهم، ما فُهم منه أنه ليس هارباً من القتل والتقتيل في بلده الأم، وإنما يفكر في استغلال ظروف الحرب هناك ويريد أن يحصل على لجوء عندهم حتى يستفيد من خيرات بلادهم مدى الحياة.

المترجم قد يلعب دوراً مثبطاً أحياناً، وقد يكون له تأثير فعال في نيل الإقامة أو الفشل في الحصول عليها. المترجم غالباً هو شخص من أصول عربية، أو كردية أحياناً، ويمكن أن تؤثر خلفية دينية أو عرقية له على رأيه السياسي، في ما يخص الحرب في سورية، على شرح وجهة نظر المتقدم بشكل إيجابي أو سلبي، للمحقق ذي المشاعر الباردة التي لا تأبه باندفاع اللاجئ للتخلص من المعسكر الذي يقيم فيه بأسرع وقت، وإذا حيدنا النوايا السيئة يمكن أن نقول بأن الترجمة السريعة والمباشرة قد تضيع المعنى الحقيقي المقصود فلا تصل وجهة نظر طالب اللجوء بالدقة المطلوبة.

أعاد محمد التجربة مع تغيير المحقق، وخضع لأسئلة جديدة، خرج من المقابلة دون أن يخمن النتيجة، فكر طويلاً بجميع الأسئلة التي طرحت عليه، لكنه كان قلقاً من إجابة سريعة عن سؤال طُرِحَ عليه عن الجهة التي قذفت بالأسلحة الكيماوية على السكان في مدن سورية فقال دون تردد: بشار الأسد!

(سورية)
المساهمون