28 مايو 2019
ولولة مجتمع
عاد المغاربة إلى الاستنكار عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد حادثة تكرر مثلها مرات. فبعد حادثة سيدي قاسم والاعتداء بالحافلة على فتاة، ها نحن اليوم أمام واحدة من فظائع مجتمعنا الذي لا نعلم إلى أين يتجه.
فيديو تظهر فيه تلميذة تصرخ، وعشريني يعنفها ويعمل على الاعتداء عليها، وصديقه يصوّر المشهد بكل بؤس، ثم تعلن مديرية الأمن مباشرتها تحريات دقيقة لمتابعة المتهمين بمحاولة اعتداء جنسي، كما جاء في بلاغ الشرطة. بعدها يدخل الملف المحكمة، ويعاقب ويسجن كما وقع بحوادث قبلها. وتليها موجة نوم أخرى ومسكن آخر، فقد تحرك الفارس عنترة من أجل عبلة وانتصر! ويا له من انتصار عظيم، ولن يختلف اثنان في إدانة الفعل، علما أن بلدنا ينهب ويسلب ويغتصب، كل دقيقة، ومن جميع النواحي.
فيديو الاعتداء يختصر فشل سياسات عمومية وقطاعية، ويأتي بعد فشل النموذج التنموي أيضا. هذا النموذج الذي أعلن عنه خطاب الملك محمد السادس بعدما كان ينعت من يقول ذلك بالعدمي والسوداوي، وكذلك هو نتاج منظومة مجتمعية نحن جزء منها جميعا، وكل يتحمل المسؤولية من موقعه، فالأستاذ والأسرة والدولة والمجتمع والإعلام والمدرسة، وكل وسائل التنشئة والتربية والمحيط وما يمكن أن يترك أثرا في نفوس الناشئة له حظ من هذه المسؤولية المجتمعية.
ويمكننا أن نتساءل بعدها، كم هي ميزانية وزارة التعليم وما خبره اليوم؟ وما حال ثقافتنا ومسارحنا ودور شبابنا؟ وأين هي الرياضة المدرسية والجامعية؟ وما خبر الأحزاب والجمعيات والمساجد والزوايا كمؤسسات تنشئة مغربية كبر جزء منا فيها، وعلى يديها وشكلت شخصيته؟
تلخص حادثة الاعتداء واقعا مأزوما، ويعيدنا إلى ما يتلقاه أطفالنا اليوم أمام التلفاز، وعلى الحاسوب، وشاشات الهواتف، وعبر الفضائيات والإذاعات والمدارس، وبالأحياء وعند العائلات، وبكل وقت وحين.
لا حل إلا التربية أولا وثانيا وثالثا إلى ما لا نهاية. فالتربية أداة المجتمع لإصلاح أفراده الذين لا يمكن أن ينبتوا في معزل عن الآخرين، ويأتي هذا من خلال إيجاد بيئة مناسبة للعيش والإنسانية والحدود الدنيا من القيم المتفق عليها والأخلاق العامة والسلوك المدني.
فطنت المجتمعات الحديثة لدور التربية، فخصصت لها الخبراء والتقنيات والميزانيات، وركزت جهودها للعناية والاهتمام بها، وما وصلت إليه هذه البلدان من تطور وحضارة، ليس من فراغ أو من ارتجال واستعجال، بل هو نتاج خطط مدروسة وصبر على المدى المتوسط والبعيد.
رهان تقدم (وتطور) أي حضارة مادية وأي بلد أساسه الإنسان، رقيه ومدى تحضره، وعيه ونضجه. وكل هذا لا يمكن أن يتأتى إلا من خلال التربية التي تؤهله وتجعله يحس بالانتماء الاجتماعي، وترفعه إلى إنسانيته وتنتشله من بهيمية الحيوان، وتجعل منه مواطنا صالحا يميّز ويفكر ويدبر ويعقل وله قلب.
إن كان لحادثة الاعتداء من حسنة، فلعلها صفعة توقظ نياما، وتشكل مرآة لمجتمع يجب أن يرى نفسه، وينتقدها ويأخذ المبضع بكل شجاعة وجرأة ويتسم بالصرامة الحانية الرحيمة، فكم من كسر في باطنه جبر، يصلح أعطابه واعوجاجه وارتجاجه، ويواجه التحديات الحالية والمقبلة، وينبعث ويقوم وينهض لغد أفضل، أما "الولولة" كل مرة كالعاجز من دون فعل جاهز ناجز، فليست إلا تنفسيا آخر، وحلقة من مسلسل توهم الدفاع عن الحقوق الذي أصبح حرفة قوم ينعقون مع كل ناعق، بعيدا عن الرجولة المطلوبة وشجاعة الموقف.
حاجتنا اليوم إلى تربية خلقية، مهنية، عائلية، مستقبلية، وطنية، قانونية، وصحية، هو ضرورة استراتيجية لكل الشعوب، كحاجتها إلى الأمن القومي، لأن لها دورا بارزا في الإقلاع الاقتصادي والبشري، وفي التماسك الاجتماعي وترسيخ القيم، ونتائج في ريادة أي حضارة وقوتها.
ولعل من أقدار هذا الحادث، أن يتزامن مع حملة أطلقتها نساء مغربيات سمينها "أسرتي جنتي"، لا ينبغي أن نكتفي أمامها بالصراخ غير المجدي أو ما أسميته الولولة.
فيديو تظهر فيه تلميذة تصرخ، وعشريني يعنفها ويعمل على الاعتداء عليها، وصديقه يصوّر المشهد بكل بؤس، ثم تعلن مديرية الأمن مباشرتها تحريات دقيقة لمتابعة المتهمين بمحاولة اعتداء جنسي، كما جاء في بلاغ الشرطة. بعدها يدخل الملف المحكمة، ويعاقب ويسجن كما وقع بحوادث قبلها. وتليها موجة نوم أخرى ومسكن آخر، فقد تحرك الفارس عنترة من أجل عبلة وانتصر! ويا له من انتصار عظيم، ولن يختلف اثنان في إدانة الفعل، علما أن بلدنا ينهب ويسلب ويغتصب، كل دقيقة، ومن جميع النواحي.
فيديو الاعتداء يختصر فشل سياسات عمومية وقطاعية، ويأتي بعد فشل النموذج التنموي أيضا. هذا النموذج الذي أعلن عنه خطاب الملك محمد السادس بعدما كان ينعت من يقول ذلك بالعدمي والسوداوي، وكذلك هو نتاج منظومة مجتمعية نحن جزء منها جميعا، وكل يتحمل المسؤولية من موقعه، فالأستاذ والأسرة والدولة والمجتمع والإعلام والمدرسة، وكل وسائل التنشئة والتربية والمحيط وما يمكن أن يترك أثرا في نفوس الناشئة له حظ من هذه المسؤولية المجتمعية.
ويمكننا أن نتساءل بعدها، كم هي ميزانية وزارة التعليم وما خبره اليوم؟ وما حال ثقافتنا ومسارحنا ودور شبابنا؟ وأين هي الرياضة المدرسية والجامعية؟ وما خبر الأحزاب والجمعيات والمساجد والزوايا كمؤسسات تنشئة مغربية كبر جزء منا فيها، وعلى يديها وشكلت شخصيته؟
تلخص حادثة الاعتداء واقعا مأزوما، ويعيدنا إلى ما يتلقاه أطفالنا اليوم أمام التلفاز، وعلى الحاسوب، وشاشات الهواتف، وعبر الفضائيات والإذاعات والمدارس، وبالأحياء وعند العائلات، وبكل وقت وحين.
لا حل إلا التربية أولا وثانيا وثالثا إلى ما لا نهاية. فالتربية أداة المجتمع لإصلاح أفراده الذين لا يمكن أن ينبتوا في معزل عن الآخرين، ويأتي هذا من خلال إيجاد بيئة مناسبة للعيش والإنسانية والحدود الدنيا من القيم المتفق عليها والأخلاق العامة والسلوك المدني.
فطنت المجتمعات الحديثة لدور التربية، فخصصت لها الخبراء والتقنيات والميزانيات، وركزت جهودها للعناية والاهتمام بها، وما وصلت إليه هذه البلدان من تطور وحضارة، ليس من فراغ أو من ارتجال واستعجال، بل هو نتاج خطط مدروسة وصبر على المدى المتوسط والبعيد.
رهان تقدم (وتطور) أي حضارة مادية وأي بلد أساسه الإنسان، رقيه ومدى تحضره، وعيه ونضجه. وكل هذا لا يمكن أن يتأتى إلا من خلال التربية التي تؤهله وتجعله يحس بالانتماء الاجتماعي، وترفعه إلى إنسانيته وتنتشله من بهيمية الحيوان، وتجعل منه مواطنا صالحا يميّز ويفكر ويدبر ويعقل وله قلب.
إن كان لحادثة الاعتداء من حسنة، فلعلها صفعة توقظ نياما، وتشكل مرآة لمجتمع يجب أن يرى نفسه، وينتقدها ويأخذ المبضع بكل شجاعة وجرأة ويتسم بالصرامة الحانية الرحيمة، فكم من كسر في باطنه جبر، يصلح أعطابه واعوجاجه وارتجاجه، ويواجه التحديات الحالية والمقبلة، وينبعث ويقوم وينهض لغد أفضل، أما "الولولة" كل مرة كالعاجز من دون فعل جاهز ناجز، فليست إلا تنفسيا آخر، وحلقة من مسلسل توهم الدفاع عن الحقوق الذي أصبح حرفة قوم ينعقون مع كل ناعق، بعيدا عن الرجولة المطلوبة وشجاعة الموقف.
حاجتنا اليوم إلى تربية خلقية، مهنية، عائلية، مستقبلية، وطنية، قانونية، وصحية، هو ضرورة استراتيجية لكل الشعوب، كحاجتها إلى الأمن القومي، لأن لها دورا بارزا في الإقلاع الاقتصادي والبشري، وفي التماسك الاجتماعي وترسيخ القيم، ونتائج في ريادة أي حضارة وقوتها.
ولعل من أقدار هذا الحادث، أن يتزامن مع حملة أطلقتها نساء مغربيات سمينها "أسرتي جنتي"، لا ينبغي أن نكتفي أمامها بالصراخ غير المجدي أو ما أسميته الولولة.
مقالات أخرى
29 مارس 2019
25 مارس 2019
23 أكتوبر 2018