28 مايو 2019
خاشقجي.. الحرية والعدالة الدولية
قتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، بعد اختفاء مفاجئ يوم 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018 في القنصلية السعودية في اسطنبول، وهو يهم بإتمام إجراءات الزواج من خطيبته، قادما من بلاد العم سام التي اختارها منفى اختياريا؛ في سياق إقليمي ووطني في بلده. استمر الغموض في ملفه أسابيع، تضاربت خلالها الروايات والحسابات، وتداخلت وتشابكت المصالح وتكاثرت التصريحات والتسريبات. فما عاد الناس يميزون بين ناعق وصادق. وليس مهما أن أثبت وجهة نظر أحد من الناس، في عالم تباع فيه القيم والذمم علنا، وتذبح الإنسانية أمام الملأ لمن يدفع أكثر وبشكل أكبر، ويطبق الناس أفواههم، لأنها مملوءة نفطا. عالم لا إنساني ظالم غاشم متحيز. في انتظار مستقبل أفضل وأمثل، حيث يسود العدل العالمين، وأملنا ويقيننا راسخ إن شاء الله.
كان قلما يكتب عمود رأي في صحيفة واشنطن بوست، معبرا عن رأي سلمي ناصع ناصح عقلاني رزين ورصين، وكان يحرص على قوله بشكل هادئ هادف، لم يكن معارضا، باصطلاح القوم، اليوم. كانت كلمات وزخات تطمح للحرية وتدعو لها لنا جميعا.
وانقسمت بلاد العرب والغرب بين مؤيد ومعارض، ومستنكر وشاجب، وملتزم بالواجب للصاحب وقضاء المآرب، بضرورة الاصطفاف والالتفاف على القضية، في مقابل الأعطية. ومنهم من يحذّر من التسييس في محاولة للتدليس. وكانت عينهم جميعا، ولازال بعضهم، إلى وقت قريب، على الثروات والمشتريات وحصص الشركات العابرة للقارات، وعلى الاستثمارات والحسابات المصرفية، فضلاً عن محورية البلد والولد، المزهو بقدرته وسلطته وسطوته وخفته. كانوا إلى قريب، مثل غريب، يغضون الطرف عن التجاوزات والانتهاكات والحملات الجارية.
هل سنعيش على وقع تحول جديد في المجتمع الدولي فجأة، ويغلب المنطق الإنساني المبدئي، ونرى العدالة المنشودة تغلب الجانب السياسي والعلاقاتي البراغماتي؟ وينتصر الناس للمبادئ اعتبارا للمدرسة المثالية، كما يسمونها في تقعيدهم العلوم الإنسانية والاجتماعية، والمدارس التي تناولت العلاقات الدولية، بعد انفرادها علما قائما بذاته بعد الحرب العالمية الأولى؟
تقول الوقائع والمعطيات الثابتة إنه ليست هناك اليوم قوة تَردع وللقانون تَخضع؛ بل الأمم المتحدة برمتها تحت وطأة "الفيتو" الذي يعطل ويبطل إجراما وأحكاما. وإلى الأمس القريب، اجتاح قوم العراق بعد احتلاله الكويت، وجلسوا يتفرّجون، وإسرائيل وهي تبيد شعبا بأكمله وترتكب المجازر. ولم يحرك أحد ساكنا تجاه احتلالهم فلسطين، ولا غير فلسطين. تلك الآلة الصهيونية التي تنتهك يوميا القرارات الدولية والقانون الدولي. ورأيناهم يصمتون عن المذبحة في ميدان رابعة العدوية في القاهرة، ويتقاسمون سورية، ويخربون اليمن، ولا وطن إلا لمن يدفع الثمن. يتحرك القانون كل مرة، تحت اسم جديد ومصلحة وأهواء، إما محاربا للشيوعية أو الحركة "الإخوانية" أو حروب استباقية أو للقضاء على عملية إرهابية.
وصمت الصف الإعلامي العربي الرسمي والرقمي بشكل مؤسف ومؤلم ومخجل، بنقاباته ومنابره، فيما تحرّكت الآلة الإعلامية الغربية هناك، حيث المساحة أكبر والحرية أكثر، واستسلمنا مشدوهين لاحترافية منابر عربية مقتدرة ومهنية، وأخرى غربية، في حبك الخبر وصناعة الصورة والمهنية في التناول وضبط المعلومة، حيث تمايزت الآراء وتجلت الصورة كاملة غير منقوصة موثقة بالأدلة الصوتية والمرئية.
موقفي من الاغتيال واضح، مهما تضاربت المصالح والحسابات والرهانات والامتدادات والروايات، وظهرت أو اختفت التحقيقات. فالقتل واحد، ولا أملك إلا إدانته بقوة وبشدة، والمطالبة بالإفراج عن نتائج التحقيق، وأن تأخذ العدالة مجراها والإجراءات القانونية، مسارها الطبيعي، ويتم تحديد المسؤوليات وتوزيع الجزاءات لكل متورّط مهما كان مستواه.
ولعل الفرصة لازالت سانحة لعدد من "الخاشقجيين" إلى حين، وأعني كل الصحفيين ممن يدفعون ضريبة الكلمة كل يوم بجهد وكد وجد، أن يندّدوا وأن لا يصمتوا في قتل أخ وزميل واغتياله بهذه البشاعة والشناعة. فكل إعلامي وصوت حر وكل حركة تحررية ومشروع مجتمعي جاد سلمي ومسؤول هو خاشقجي مع وقف التنفيذ، في بلادات الاستبداد والفساد.
أختم بجزء من حياة الراحل، رحمه الله، لعله يخز ضميرا ويحرر أسيرا، وهو مشهد، كان فيه رحمه الله مع ابنته، فشد انتباهي نظم كتبته ابنته اقتباسا من آخرين. خطت على فستانها الجميل في لحظة طفولة وبراءة وصدق، وقد كانت سعيدة بأبيها: "حتى فساتيني التي أهملتها، فرحت به ورقصت عند قدميه". لست أدري ما الذي ستكتبه هذه الطفلة اليوم وغدا، وما حال قلبها، وهي لا تدري أن أباها ضاع في ملاعب الكبار إلى حين. وإنها لرزية، وأي رزيةٍ لنا جميعا إن انخرطنا في موجه الذل الجماعي، والصمت على الموت بهذه الطريقة، في أب كانت تطرب عين البنت لطلعته وتنتظم الكلمات لرؤيته. وهل عند كل الناس خبر بحال الموجوعين والمفجوعين في عزيز، وهل كلنا يملك قلبا؟
هيهات.
اللهم إليك المشتكى وعليك الثكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك.
كان قلما يكتب عمود رأي في صحيفة واشنطن بوست، معبرا عن رأي سلمي ناصع ناصح عقلاني رزين ورصين، وكان يحرص على قوله بشكل هادئ هادف، لم يكن معارضا، باصطلاح القوم، اليوم. كانت كلمات وزخات تطمح للحرية وتدعو لها لنا جميعا.
وانقسمت بلاد العرب والغرب بين مؤيد ومعارض، ومستنكر وشاجب، وملتزم بالواجب للصاحب وقضاء المآرب، بضرورة الاصطفاف والالتفاف على القضية، في مقابل الأعطية. ومنهم من يحذّر من التسييس في محاولة للتدليس. وكانت عينهم جميعا، ولازال بعضهم، إلى وقت قريب، على الثروات والمشتريات وحصص الشركات العابرة للقارات، وعلى الاستثمارات والحسابات المصرفية، فضلاً عن محورية البلد والولد، المزهو بقدرته وسلطته وسطوته وخفته. كانوا إلى قريب، مثل غريب، يغضون الطرف عن التجاوزات والانتهاكات والحملات الجارية.
هل سنعيش على وقع تحول جديد في المجتمع الدولي فجأة، ويغلب المنطق الإنساني المبدئي، ونرى العدالة المنشودة تغلب الجانب السياسي والعلاقاتي البراغماتي؟ وينتصر الناس للمبادئ اعتبارا للمدرسة المثالية، كما يسمونها في تقعيدهم العلوم الإنسانية والاجتماعية، والمدارس التي تناولت العلاقات الدولية، بعد انفرادها علما قائما بذاته بعد الحرب العالمية الأولى؟
تقول الوقائع والمعطيات الثابتة إنه ليست هناك اليوم قوة تَردع وللقانون تَخضع؛ بل الأمم المتحدة برمتها تحت وطأة "الفيتو" الذي يعطل ويبطل إجراما وأحكاما. وإلى الأمس القريب، اجتاح قوم العراق بعد احتلاله الكويت، وجلسوا يتفرّجون، وإسرائيل وهي تبيد شعبا بأكمله وترتكب المجازر. ولم يحرك أحد ساكنا تجاه احتلالهم فلسطين، ولا غير فلسطين. تلك الآلة الصهيونية التي تنتهك يوميا القرارات الدولية والقانون الدولي. ورأيناهم يصمتون عن المذبحة في ميدان رابعة العدوية في القاهرة، ويتقاسمون سورية، ويخربون اليمن، ولا وطن إلا لمن يدفع الثمن. يتحرك القانون كل مرة، تحت اسم جديد ومصلحة وأهواء، إما محاربا للشيوعية أو الحركة "الإخوانية" أو حروب استباقية أو للقضاء على عملية إرهابية.
وصمت الصف الإعلامي العربي الرسمي والرقمي بشكل مؤسف ومؤلم ومخجل، بنقاباته ومنابره، فيما تحرّكت الآلة الإعلامية الغربية هناك، حيث المساحة أكبر والحرية أكثر، واستسلمنا مشدوهين لاحترافية منابر عربية مقتدرة ومهنية، وأخرى غربية، في حبك الخبر وصناعة الصورة والمهنية في التناول وضبط المعلومة، حيث تمايزت الآراء وتجلت الصورة كاملة غير منقوصة موثقة بالأدلة الصوتية والمرئية.
موقفي من الاغتيال واضح، مهما تضاربت المصالح والحسابات والرهانات والامتدادات والروايات، وظهرت أو اختفت التحقيقات. فالقتل واحد، ولا أملك إلا إدانته بقوة وبشدة، والمطالبة بالإفراج عن نتائج التحقيق، وأن تأخذ العدالة مجراها والإجراءات القانونية، مسارها الطبيعي، ويتم تحديد المسؤوليات وتوزيع الجزاءات لكل متورّط مهما كان مستواه.
ولعل الفرصة لازالت سانحة لعدد من "الخاشقجيين" إلى حين، وأعني كل الصحفيين ممن يدفعون ضريبة الكلمة كل يوم بجهد وكد وجد، أن يندّدوا وأن لا يصمتوا في قتل أخ وزميل واغتياله بهذه البشاعة والشناعة. فكل إعلامي وصوت حر وكل حركة تحررية ومشروع مجتمعي جاد سلمي ومسؤول هو خاشقجي مع وقف التنفيذ، في بلادات الاستبداد والفساد.
أختم بجزء من حياة الراحل، رحمه الله، لعله يخز ضميرا ويحرر أسيرا، وهو مشهد، كان فيه رحمه الله مع ابنته، فشد انتباهي نظم كتبته ابنته اقتباسا من آخرين. خطت على فستانها الجميل في لحظة طفولة وبراءة وصدق، وقد كانت سعيدة بأبيها: "حتى فساتيني التي أهملتها، فرحت به ورقصت عند قدميه". لست أدري ما الذي ستكتبه هذه الطفلة اليوم وغدا، وما حال قلبها، وهي لا تدري أن أباها ضاع في ملاعب الكبار إلى حين. وإنها لرزية، وأي رزيةٍ لنا جميعا إن انخرطنا في موجه الذل الجماعي، والصمت على الموت بهذه الطريقة، في أب كانت تطرب عين البنت لطلعته وتنتظم الكلمات لرؤيته. وهل عند كل الناس خبر بحال الموجوعين والمفجوعين في عزيز، وهل كلنا يملك قلبا؟
هيهات.
اللهم إليك المشتكى وعليك الثكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك.
مقالات أخرى
29 مارس 2019
25 مارس 2019
19 يوليو 2018