"من سلوان أعلناها... علي نجمة سماها". هكذا هتف المئات من الشبان المقدسيين في جنازة الأسير المحرر علي الشيوخي (20 عاماً) فجر يوم أمس، في بلدة سلوان جنوبي القدس المحتلة التي انطلقت فيها، قبل عام، "انتفاضة القدس" بوجه الاحتلال الإسرائيلي. ولن يكون شيوخي آخر من سيسقط في الانتفاضة، على ما يبدو. وأعلن ناشطون مقدسيون، أثناء الجنازة، عن عزمهم متابعة التحركات، على الرغم من أنهم أعربوا عن أسفهم لعدم توسع الانتفاضة إلى مناطق ومدن أخرى. وكان الشهيد مهند الحلبي نفذ عملية العام الماضي، انتقاماً لما كانت تتعرض له المرابطات على أبواب المسجد الأقصى من اعتداء وقمع من قبل جيش الاحتلال. وشكلت تلك العملية شرارة انتفاضة القدس، التي سرعان ما انضم إليها عدد كبير من الشبان الفلسطينيين، مثل الشهيد مصباح أبو صبيح وغيره.
لا يخفي عبد القادر، شأنه شأن المقدسيين، غضبه من موقف السلطة الفلسطينية مما يجري في القدس. ويستنكر حالة الصمت المريب الذي تعيشه بقية مدن الضفة الغربية، التي تعاني بدورها الاحتلال والاستيطان. ويستغرب هذا التقاعس على الرغم من أن يد السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية مقيدة، إذ لا تستطيع ممارسة حق الدفاع عن مواطنيها في وجه القتل الإسرائيلي اليومي، وفق تعبير عبد القادر. ويشير إلى أن السلطة غير قادرة حتى على حماية الأطفال الفلسطينيين من الخطف والتنكيل، كما حدث قبل يومين حين اختطف مستوطنون تسعة أطفال، من قلب بيت لحم، وخرجوا من المدينة دون رد فعل رسمي.
في البلدة القديمة من القدس حيث المسجد الأقصى، تبدو الأوضاع اليوم على وشك انفجار مقبل. فهو بات هدفاً على مدى الساعة لاقتحامات المستوطنين، وممارسات جنود الاحتلال باتت أكثر عنفاً ووحشية ضد المقدسيين، كما يقول أحد تجار شارع الواد ويدعى مجد الباسطي لـ"العربي الجديد". وكغيره من المقدسيين، ينتاب الباسطي الغضب الشديد من ممارسات الجنود والمستوطنين. ويعكس كلامه مدى تزايد شعور الفلسطينيين المقيمين في القدس المحتلة بأنهم يواجهون عنف الاحتلال وحدهم، وكأن قضية القدس لا تعني غيرهم.
وتكفي جولة ميدانية في شوارع القدس لإدراك حجم الغضب الذي يشعر به أهلها بسبب وصول القمع الإسرائيلي إلى مستويات لا تحتمل، لا سيما بعد ما تعرضت له عائلة الشهيد أبو صبيح من إجراءات عنف وحشية طاولت ابنة الشهيد ووالده السبعيني. ويشير المقدسيون إلى إفراط الإسرائيليين بالتجاوزات، وهو ما تجسد بمحاربة العائلة اقتصادياً من خلال إغلاق محلاتها التجارية ووضع اليد عليها. وهو حال يشكو منه تجار المدينة الذين أفضت بهم إجراءات الملاحقة من بلدية الاحتلال ودوائره الضريبية المختلفة إلى إغلاق مزيد من محلاتهم التجارية، لأنه لم يعد بمقدورهم تحمل الرسوم التعسفية، المفروضة في إطار سياسة الاحتلال الضريبية.
في هذا الإطار، يقول أمين سر الغرفة التجارية العربية في القدس، حجازي الرشق، إن "هذه السياسة رفعت نسبة المحال المغلقة إلى 4 بالمائة عن العام الماضي، إذ ارتفع عدد المحال التي أغلقها أصحابها إلى 300 محل، بعدما كانت العام الماضي 270 محلاً، فيما تراجع العمل بقطاع السياحة المقدسي إلى نحو 90 بالمائة". في هذا الصدد، يؤكد رئيس لجنة أهالي أسرى القدس، أمجد أبو عصب، أن إجراءات الاحتلال المتصاعدة على مدى عام من انتفاضة القدس فاقمت من معاناة المقدسيين، لكنها لم تدفعهم إلى الاستسلام، على الرغم من تعرض المئات منهم للاعتقال والإبعاد وحتى منعهم من العمل، وفق قوله.
ويضيف أبو عصب لـ"العربي الجديد"، أن الشهيد الشيوخى كان أسيراً محرراً، وقد أطلق سراحه قبل عشرة أشهر بعدما أمضى خمسة عشر شهراً في سجون الاحتلال، وتعرضت عائلته، لا سيما شقيقه محمد ووالدته وشقيقتيه، للاعتقال والاعتداء أكثر من مرة من قبل جنود الاحتلال والمستوطنين، مشيراً إلى أن هذا الأمر يحدث لكثير من شباب وعائلات القدس.