... وفي 6 أبريل ولدنا
هو انتو مبتخافوش؟ سؤال كان يتردد بصوت خافت، ليصل إلى آذاننا في كل مرةٍ، تقف فيها مجموعة لا تتجاوز 30 فرداً، ليعلنوا تحديهم نظاماً بأكمله، نرسم على وجوهنا علامات الصلابة والقوة، وفي داخلنا قلوب ترتجف.
لم يعلموا أَن حلمنا أقوى بكثير من الخوف، لم يرنا أَحدهم، ونحن نعمل ليل نهار، ونتعاهد على تحقيق الحلم بكسر حواجز الخوف يوم 6 أبريل، عندما أقسمنا على أَن لا يهزمنا خوف، ولا تحبطنا قوة النظام الظالم، ولا نستسلم، حتى يأخذ كل إنسانٍ في مصر حقه.
اسمحوا لي بأن أَحكي القصة من وجهة نظر بنتٍ، لم تكن لها علاقة بالسياسة، من قريب أو من بعيد، قادتها المصادفة إلى "جروب" في "فيسبوك"، اسمه "إضراب عام لشعب مصر". ومثل أي مواطن مصري يعاني في وطنه، في الشوارع والمواصلات والجامعات والهيئات الحكومية، كأي مواطن ناقمٍ من رحلة العذاب اليومية، في شوارع المحروسة، متسائلاً: متى سنتغير.
كانت كالغريق الذي وجد في "جروب" على موقع تواصل اجتماعي "قشّه" يتعلق بها، أيقظت في داخلها حلم التغيير "أخيراً هنثور على الفساد؟".
كان الوقود الذي أشعل داخل البنت حماستها تعليقات غيرها من المشاركين، وهم يراهنون على أن يصل عدد المشاركين في الإضراب إلى أكبر عدد ممكن، ويتأكدوا أن هذا كفيل بإجبار النظام على الاستجابة لمطالبنا، ووجهت الرسالة إلى المواطنين.
"خليك في البيت ما تروحشي الشغل. ما تروحشي الجامعة. ما تروحشي المدرسة. ما تفتحشي المحل. عايزين نشتغل. عايزين تعليم لأولادنا...عايزين مواصلات آدمية... عايزين مستشفيات تعالجنا. عايزين دواء لأطفالنا. عايزين قضاء منصف. عايزين أمن وأمان. عايزين حرية وكرامة. مش عايزين رفع أسعار. مش عايزين محسوبية. مش عايزين ظباط بلطجية. مش عايزين تعذيب في الأقسام. مش عايزين أتاوات. مش عايزين فساد. مش عايزين رشاوي
الحكومة خااااايفة" قالتها البنت، وهي في ذهول، كانت أول مرة تشعر بالنجاح، فمع بيان وزارة الداخلية، "شعرت بأن للشعب صوتاً، وبأن الحكومة اللي بتخوف .. ممكن تخاف".
وجاءت أحداث المحلة، واعتقال نشطاء عديدين، لتشعر بصعوبة الرجوع، وأهمية أن تكمل المشوار. لم تعرف ماذا تفعل، فعادت إلـى "القشّة" مجدداً، فوجدت على "جروب الإضراب العام" مناقشات الشباب، وتبرعاتهم بطباعة منشورات تفضح جرائم النظام، وتابعت، وشاهدت في تعليقات المشاركين عناداً وصبراً على إكمال الطريق.
اتخذت قراراً بالمشاركة، وعلى الرغم من خوفٍ، تحول مع حملة الاعتقالات إلى رعب، إلا أنها شعرت بأن ذنب زملائها في رقبتها، ورقبه كل متخاذل وكل جبان. قررت النزول مع أول دعوة، وكانت على سلالم نقابة الصحافيين، وحسمت أمرها، وذهبت لتجد بين 20 و30 شاباً وفتاة، تحيط بهم قوات الأمن، كما يحيط السوار بمعصم المتهم، وعلى الرغم من ذلك، يزلزل هتافهم المكان بكلمة "حريييييييييييية".
على الرغم من الطاقة النفسية التي شحنت بها، إلا أن البنت لم تذهب لتشارك، ووقفت تشاهد من بعيد، وبدأت كمن يستكشف عالماً جديداً. تقترب، لترى الصورة بشكل أوضح، "مكملين.. مصر تستاهل نموت عشانها"، كلمات سمعتها البنت عندما اقتربت، لتطيح كل ذرة تردد، أو خوف، داخلها، وتقرر الانضمام إليهم.
وتتابعت الوقفات، وزاد عدد المشاركين، وتحول "جروب فيسبوك" إلى حقيقة على أرض الواقع. مع الوقت، زاد توتر النظام، وزاد من استخدام قوته، وكل أساليبه القذرة، على الرغم من وصفنا بـ"العيال"، ضرب.. سحل.. اعتقال، وأشياء استخدموها لنزداد صلابة وإصراراً، فبدأت آلة النظام الإعلامية حملة تشويه بلا أدلة. وجدنا أنفسنا جواسيس، ونحن لم نر سوى مصر، وجدنا أن حلمنا بالتغيير والحرية والحياة الآدمية "أجندة خارجية"! صدق البعض ورفض البعض، وعلى الرغم من ذلك، سقط النظام وبقينا.
لذلك، أعترف. أنا فخورة بأنني انتميت، يوماً، إلى كيان حركة 6 أبريل، وأثق بأنهم من أطهر شباب مصر. وبأننا لن نيأس، وأن الحلم لن يموت، وبأن "بكرة أحلى وصوت الحق أعلى".
حركة ٦ أبريل علمتني أنه لا نظام أقوى من إرادة الشعب.
كل عام وأنتم أحرار