هي قلعة أمازيغية في الأطلس الكبير، يُقال إنّ أوّل أحجارها وضعت في العقد الثالث من القرن العشرين، واتّخذت كأسوأ سجن للسجناء السياسيين المغاربة خلال سنوات الرصاص. لكن بعد إغلاق السجن ومحو ذاكرته، بدأت الجهود تتكاثف لتسليط الضوء على "قلعة مكونة" كمكوّن ثقافي واقتصادي وزراعي فاعل في خريطة الإرث الإنساني المغربي.
تُعرف المنطقة باسم "قلعة مكونة"، وهي ذات مناخ لطيف أيام الربيع، مياهها دائمة الجريان في نهري "دادس" و"مكون" المعروفين، وشتاؤها معتدل البرودة. كلّها عوامل أزهرت جنائن الورد "البلدي"، ذي الرائحة القوية الناعمة والعذبة التي توحي بالحبّ والعواطف الصادقة ونبل المشاعر.
المهندس التقني الزراعي إدريس أبو علي يشرح لـ"العربي الجديد" أنّ "هذه الحقول تساهم في تنمية المنطقة اقتصادياً وزراعياً لأنّ الورود مميّزة بمكوّناتها العطرية والزيتية. والحصول على شجيرة ورد جيدة يتطلّب شتلات خالية من الأمراض، ثم نحفر حفرة عمقها 60 سنتيمتراً وعرضها 40 سنتيمتراً، ونسمّدها بسماد عضوي. فننتج بين 20 إلى 30 طناً من الهكتار الواحد". والملفت أنّ الورد المزروع على ضفاف وادي "مكون" أكثر جودة من مثيله على ضفاف "دادس" لأنّ مياهه تجفّ صيفاً.
منذ أربعينيّات القرن الماضي تعمل النساء بقطف الورد وجلبه من الجنائن عبر سلال القصب أو أكياس الخيش، خوفاً من إفساده أو تكدّس يفقده بعض سماته. حينها أنشئت معامل تقطير تقليدية. فجزء من المحصول يقطّر وجزء آخر يجفّف ويصدّر إلى مراكش وفاس أو خارج المغرب إلى فرنسا والصين وغيرها.
لذلك نجد أيدي النساء مسؤولة عن الاهتمام بالورد وقطفه قبل الرجال، وهنّ أوّل المستفيدات مادياً من تسويق المحصول، فيما يقف أصحاب رؤوس الأموال ومديرو التعاونيات والمصانع على رأس الهرم المالي والإداري.
إلى جانب مصانع التقطير، تنتشر في شوارع "قلعة مكونة" تعاونيات وأسواق ومحال تجارية لبيع منتجات الوردة الدمشقية. حمزة الصوفي هو مسؤول التسويق في "تعاونية الصوفي" التي تأسّست عام 2011. كانت مخصّصة لزراعة الورد قبل تطويرها وإضافة عملية التقطير: "يستمرّ حصد المحصول شهراً فقط، بين 15 أبريل/نيسان و15 مايو/أيّار. والنساء يقطفنَ الورد، ثم يشحن إلى المصانع، ويفصل المغلق للتجفيف عن المفتّح الذي يستخرج منه زيت الورد الأساسي وماء الورد. بعدها تصنّع مواد أخرى، كالكريم، والشامبوهات، والصابون البلدي، وماسكات الشعر، وغسول البشرة، بعد إخضاعها لمراقبة طبيب خاصّ يشرف على نسبة المواد المضافة والمصنّعة لتجنب أيّ أعراض جانبية. أما المجفّف فنوعان، واحد للأكل يضاف إلى الشاي والطبخ والحلويات، وآخر للتجميل كالحناء والغسول، وميزته أنّ غباره لا يعلق بوريقات الزهرة. وتعتمد عملية التقطير على عدد الكيلوات، مثلا كلّ 220 كيلوغراماً تستغرق ست ساعات في التقطير".
بالطبع السيّاح هم الأكثر إقبالاً على الشراء والأكثر إدراكاً لفوائد الورد. تشهد المنطقة سنوياً، خصوصاً بعد مهرجان الورد، إقبالاً كبيراً من داخل المغرب وخارجه. كذلك يصدّر جزء من الماء والزيت إلى فرنسا وكاليفورنيا في الولايات المتحدة.
تودا، والتي تعمل في قسم التسويق بتعاونية "فلوروزا"، تقول إنّها دخلت المهنة "قبل خمس سنوات. لم أكن أعي أهمية الورد في البداية. ونحن نقطر الورد بطريقة تقليدية لكن بآلات كبيرة". وتشرح لـ"العربي الجديد" طريقة التقطير: "نشتري الورد وبعد فصل المغلق عن المفتّح نسخّن الماء في وعاء ونضيف إليه الورد، حين يتبخّر يفرز لنا ماء الورد، وهكذا نحصل على الزيت مفصولاً عن الماء من خلال آلة صغيرة".
كيلوغرام من الورد قد يعطي ليتراً من الماء، لكن نحتاج إلى أربعة أطنان ورداً كي نحصل على ليتر من الزيت، بحسب تودا: "يتكفّل الرجال بعملية التقطير لقدرتهم على التعامل مع أنابيب الغاز، أما الفتيات فيتولّينَ عملية تعليب المنتج وتغليفه وتصنيفه".
أغلب كميات الورد الجاف تصدّر إلى الصين، أما منتجات التعاونية فتذهب إلى مدن المغرب. نساء المدن يستخدمنَ الزيت والماء لإزالة المكياج وتنظيف البشرة، ولصناعة الأقنعة ورشّه على البشرة للتخفيف من درجات الحرارة، خصوصاً عند الأطفال. كذلك يستخدم ماء الورد كمرطّب ومنظّف للعينين، إضافة إلى عطر الورد. وكريم الورد منه المرطّب ومنه المغذّي. وتشيد تودا بأهمية زيت الورد للشعر والبشرة معاً. أما السكان المحليون فيقبلون على شراء ماء الورد ومعطّر الجو.
على رفوف التعاونية وجدنا منتجات متنوّعة للورد: شامبو الجسم، كريمات مرطبة ومغذية، صابون اليدين، الصابون البلدي، العطر، حليب الورد، أقنعة.. كلّها مستحضرات مادتها الأساسية الوردة الدمشقية، وردة الحبّ والانسجام والتأمّل.. في هذه المنطقة تجد الورد المجفّف على أسطح المنازل، وتحت الظل، تحتفظ النساء بجزء كبير منه، وإذا ضاقت الأحوال يبعنَه في السوق.
التقينا بمليكة تبيع كيلوات كثيرة فسألناها عن السبب: "كي أشتري بضائع من السوق أحتاجها للبيت. فأنا قطفته من الجنائن وأتركه لوقت الحاجة، الكيلو مقابل ثلاثة دولارات".
بعدها زرنا سوقاً صغيرة فوجدنا تجّار الورد الجافّ، منهم نور الدين خبوص، والذي ورث المهنة عن والده: "ازداد الطلب على الورد في السنوات الأخيرة، لأنّه يستخدم في التجميل والطبّ والديكور". ويتابع لـ"العربي الجديد": "يقطف الورد من الجنائن طازجاً، ونحن نجفّفه إلى نوعين، واحد يجفّف بالظلّ ويأخذ اللون الزهري الداكن، وآخر تحت الشمس فيأخذ اللون الزهري البارد أو الباهت. ولا فرق بينهما في الثمن. لكنّ الورد المجفّف المغلق أغلى ثمناً من المفتّح، لأنّه يحافظ على مميزاته".
واحتفاء بالورود يقام سنوياً "مهرجان الورود" في "قلعة مكونة" منذ ستينيّات القرن الماضي. هذا العام رقم الدورة 53 على التوالي. وتأكيداً على ثقافة المكان ورمزية الوردة الدمشقية وعلاقتها بالجمال والنساء يختتم المهرجان باختيار "ملكة جمال"، شرط أن تكون من بنات المنطقة لتعرف ثقافتها وعاداتها وتقاليدها.
إقرأ أيضاً: قبّعات اليمن: تقليد وموضة
تُعرف المنطقة باسم "قلعة مكونة"، وهي ذات مناخ لطيف أيام الربيع، مياهها دائمة الجريان في نهري "دادس" و"مكون" المعروفين، وشتاؤها معتدل البرودة. كلّها عوامل أزهرت جنائن الورد "البلدي"، ذي الرائحة القوية الناعمة والعذبة التي توحي بالحبّ والعواطف الصادقة ونبل المشاعر.
المهندس التقني الزراعي إدريس أبو علي يشرح لـ"العربي الجديد" أنّ "هذه الحقول تساهم في تنمية المنطقة اقتصادياً وزراعياً لأنّ الورود مميّزة بمكوّناتها العطرية والزيتية. والحصول على شجيرة ورد جيدة يتطلّب شتلات خالية من الأمراض، ثم نحفر حفرة عمقها 60 سنتيمتراً وعرضها 40 سنتيمتراً، ونسمّدها بسماد عضوي. فننتج بين 20 إلى 30 طناً من الهكتار الواحد". والملفت أنّ الورد المزروع على ضفاف وادي "مكون" أكثر جودة من مثيله على ضفاف "دادس" لأنّ مياهه تجفّ صيفاً.
منذ أربعينيّات القرن الماضي تعمل النساء بقطف الورد وجلبه من الجنائن عبر سلال القصب أو أكياس الخيش، خوفاً من إفساده أو تكدّس يفقده بعض سماته. حينها أنشئت معامل تقطير تقليدية. فجزء من المحصول يقطّر وجزء آخر يجفّف ويصدّر إلى مراكش وفاس أو خارج المغرب إلى فرنسا والصين وغيرها.
لذلك نجد أيدي النساء مسؤولة عن الاهتمام بالورد وقطفه قبل الرجال، وهنّ أوّل المستفيدات مادياً من تسويق المحصول، فيما يقف أصحاب رؤوس الأموال ومديرو التعاونيات والمصانع على رأس الهرم المالي والإداري.
إلى جانب مصانع التقطير، تنتشر في شوارع "قلعة مكونة" تعاونيات وأسواق ومحال تجارية لبيع منتجات الوردة الدمشقية. حمزة الصوفي هو مسؤول التسويق في "تعاونية الصوفي" التي تأسّست عام 2011. كانت مخصّصة لزراعة الورد قبل تطويرها وإضافة عملية التقطير: "يستمرّ حصد المحصول شهراً فقط، بين 15 أبريل/نيسان و15 مايو/أيّار. والنساء يقطفنَ الورد، ثم يشحن إلى المصانع، ويفصل المغلق للتجفيف عن المفتّح الذي يستخرج منه زيت الورد الأساسي وماء الورد. بعدها تصنّع مواد أخرى، كالكريم، والشامبوهات، والصابون البلدي، وماسكات الشعر، وغسول البشرة، بعد إخضاعها لمراقبة طبيب خاصّ يشرف على نسبة المواد المضافة والمصنّعة لتجنب أيّ أعراض جانبية. أما المجفّف فنوعان، واحد للأكل يضاف إلى الشاي والطبخ والحلويات، وآخر للتجميل كالحناء والغسول، وميزته أنّ غباره لا يعلق بوريقات الزهرة. وتعتمد عملية التقطير على عدد الكيلوات، مثلا كلّ 220 كيلوغراماً تستغرق ست ساعات في التقطير".
بالطبع السيّاح هم الأكثر إقبالاً على الشراء والأكثر إدراكاً لفوائد الورد. تشهد المنطقة سنوياً، خصوصاً بعد مهرجان الورد، إقبالاً كبيراً من داخل المغرب وخارجه. كذلك يصدّر جزء من الماء والزيت إلى فرنسا وكاليفورنيا في الولايات المتحدة.
كيلوغرام من الورد قد يعطي ليتراً من الماء، لكن نحتاج إلى أربعة أطنان ورداً كي نحصل على ليتر من الزيت، بحسب تودا: "يتكفّل الرجال بعملية التقطير لقدرتهم على التعامل مع أنابيب الغاز، أما الفتيات فيتولّينَ عملية تعليب المنتج وتغليفه وتصنيفه".
أغلب كميات الورد الجاف تصدّر إلى الصين، أما منتجات التعاونية فتذهب إلى مدن المغرب. نساء المدن يستخدمنَ الزيت والماء لإزالة المكياج وتنظيف البشرة، ولصناعة الأقنعة ورشّه على البشرة للتخفيف من درجات الحرارة، خصوصاً عند الأطفال. كذلك يستخدم ماء الورد كمرطّب ومنظّف للعينين، إضافة إلى عطر الورد. وكريم الورد منه المرطّب ومنه المغذّي. وتشيد تودا بأهمية زيت الورد للشعر والبشرة معاً. أما السكان المحليون فيقبلون على شراء ماء الورد ومعطّر الجو.
على رفوف التعاونية وجدنا منتجات متنوّعة للورد: شامبو الجسم، كريمات مرطبة ومغذية، صابون اليدين، الصابون البلدي، العطر، حليب الورد، أقنعة.. كلّها مستحضرات مادتها الأساسية الوردة الدمشقية، وردة الحبّ والانسجام والتأمّل.. في هذه المنطقة تجد الورد المجفّف على أسطح المنازل، وتحت الظل، تحتفظ النساء بجزء كبير منه، وإذا ضاقت الأحوال يبعنَه في السوق.
التقينا بمليكة تبيع كيلوات كثيرة فسألناها عن السبب: "كي أشتري بضائع من السوق أحتاجها للبيت. فأنا قطفته من الجنائن وأتركه لوقت الحاجة، الكيلو مقابل ثلاثة دولارات".
بعدها زرنا سوقاً صغيرة فوجدنا تجّار الورد الجافّ، منهم نور الدين خبوص، والذي ورث المهنة عن والده: "ازداد الطلب على الورد في السنوات الأخيرة، لأنّه يستخدم في التجميل والطبّ والديكور". ويتابع لـ"العربي الجديد": "يقطف الورد من الجنائن طازجاً، ونحن نجفّفه إلى نوعين، واحد يجفّف بالظلّ ويأخذ اللون الزهري الداكن، وآخر تحت الشمس فيأخذ اللون الزهري البارد أو الباهت. ولا فرق بينهما في الثمن. لكنّ الورد المجفّف المغلق أغلى ثمناً من المفتّح، لأنّه يحافظ على مميزاته".
واحتفاء بالورود يقام سنوياً "مهرجان الورود" في "قلعة مكونة" منذ ستينيّات القرن الماضي. هذا العام رقم الدورة 53 على التوالي. وتأكيداً على ثقافة المكان ورمزية الوردة الدمشقية وعلاقتها بالجمال والنساء يختتم المهرجان باختيار "ملكة جمال"، شرط أن تكون من بنات المنطقة لتعرف ثقافتها وعاداتها وتقاليدها.
إقرأ أيضاً: قبّعات اليمن: تقليد وموضة