06 نوفمبر 2024
وجه آخر لأنجلينا جولي
نعرف أن "الديلي ميل" صحيفة ذات طبيعة "فضائحية"، تتلصّص على حياة رجال السياسة ونجوم الفن والمجتمع، ممن يحظون بالشهرة والنفوذ، وتتسلل إلى مخادع نومهم، وتقتحم مكاتبهم الخاصة، وتراقب هواتفهم ومراسلاتهم. فعلت ذلك مع هيلاري كلينتون، وقبلها مع زوجها بيل كلينتون، ومع منافسها دونالد ترامب وزوجته، ومع معمر القذافي ورونالدو نجم رويال مدريد والعائلة المالكة البريطانية، مع أخريات وآخرين. هذه المرة، جاء دور أنجلينا جولي التي نعرف أنها واحدة من شهيرات، لاحقتها الأضواء منذ كتبت وأخرجت فيلم "بلاد الدم والعسل" الذي مثل رؤيةً ناقدةً لواقع الحروب التي تؤجج أوارها قوى نافذة على الساحة الدولية، بهدف الاستحواذ على الثروة، أو الأرض، أو القرار.
يحكي الفيلم قصة حب بين ابن قائد في جيش الصرب وفتاة مسلمة من البوسنة، وإذ يساهم والد الشاب في مجازر التطهير العرقي ضد المسلمين، وبينها جرائم اغتصاب نساء، تقع حبيبة ابنه ضحيةً في واحدةٍ من هذه الجرائم التي وثّقتها أنجلينا جولي، وضمّنتها قصة الفيلم الذي كسب جمهوراً عريضا، وحاز على جائزة "أفلام من أجل السلام"، واعتبر توثيقاً لحرب البوسنة التي تعد من أكثر حروب العصر وحشيةً وإجراماً، ولا تدانيها في بشاعتها سوى حروبنا العربية - العربية التي اشتعلت في مواجهة طائفة لأخرى.
قيل، في حينه، إن أنجلينا جولي التي كانت لا تزال ممثلةً طالعةً لم ينصفها شباك التذاكر، بدأت "تشتغل في السياسة"، وتعدّدت أوجه هذا "الشغل"، كرّست نفسها لقضايا اللاجئين والمهجرين وفقراء العالم، الذين رمت بهم أقدار بلدانهم في قلب تراجيدياتٍ كونيةٍ، لم نعرفها من قبل، وحصلت على لقب "سفيرة النيات الحسنة" من الأمم المتحدة. وعندما ذهبت إلى أهلنا في مخيمات اللجوء والهجرة وتعاطفت معهم، وعاونتهم وتبرّعت لهم، وعاشت قضيتهم كما لم يعشها فنان من أبناء جلدتنا، أكبرنا فيها هذه المأثرة، وتابعنا أخبارها، واقتنينا صورها، وجعلنا منها "أيقونةً" في بيوتنا، حتى أصبحت لدى بعضنا كما أي فردٍ من أفراد الأسرة، إلى درجة أن أخبار تدهور حالتها الصحية ودخولها المستشفى، وصولا إلى طلاقها من زوجها الأخير، براد بيت، تصدّرت اهتماماتهم، كأي خبر ذي صلة مباشرة بهم. وكنا في حال "احتواء"، نريد أن تكون أنجلينا مثلنا لأننا نحبها. ولذلك، صدمنا تقرير "الديلي ميل" الذي نقل لنا صورة "فضائحية" عنها، وكشف لنا أنها ليست سوى امرأة عادية، كما أية امرأة أخرى، تحب، وتكره، وتغار. كانت في طفولتها منفعلة ومشاكسة، وفي مراهقتها عابثة ومتسكعة، عقدت علاقاتٍ حميمة مع أكثر من شاب، وتعاطت المخدرات، وتزوّجت وطلقت ثلاث مرات.
كان تقرير "الديلي ميل" الذي ترجمه موقع عربي إلكتروني إشكالي، وانتشر على مواقع التواصل، مثار تعليقات متعاطفين، أو ناقمين، أو ساخرين، لكن ما فعله فينا كان أكبر من ذلك، فقد أسقط الهالة المثالية التي حملناها نحن عن جولي، ونسينا في غمرة انفعالنا المحموم أنها هي نفسها التي وقفت معنا، وزارت مخيماتنا، في سورية ولبنان والأردن، وهي التي حمت أطفالنا في المخيمات، بحبها وعطفها وحنانها اللامحدود، وأنها التي منحت بؤساء العالم وفقراءهم ملايين الدولارات، وساهمت في عديدٍ من مشاريع الخير والعون الإنساني. وما فعلته لم يفعله فنانون من بني جلدتنا، محضناهم حبنا، ومنحناهم إعجابنا، وصفقنا لهم، وساهمنا في تنمية ثرواتهم المليونية التي ربما تجاوزت ثروة أنجلينا جولي، لكنهم بخلوا علينا بموقفٍ مساندٍ يخفّف علينا وعلى أطفالنا وقع مآسينا التي تغشانا على مدار الساعة. لا بأس أن نذكر أن واحدا منهم غرّد على "تويتر"، معبّرا عن شعورٍ بالأسى، وآخر أوعز لمدير مكتبه بنقل شعوره بالحزن إلى أطفالنا، وثالثا زار مخيماً للاجئي بلاده التي لم تطأ أقدامه فيها من زمان، وابتسم لطفلٍ وربت على كتفه.
نذكر أيضا أن بعض فنانينا، هم الآخرين، "اشتغلوا في السياسة"، غنّوا للدكتاتوريات، ورحّبوا بغزاة بلادهم، ووقفوا مع ضربها بالبراميل المتفجرة، وكسبوا الملايين باسمها، لكنهم ضنّوا بدينار واحد على طفل مشرد أو امرأة معوقة.
من، يا ترى، الأكثر خطيئة: أنجلينا جولي الخارجة من جلدة أخرى، أم الفنانون من أبناء جلدتنا؟
يحكي الفيلم قصة حب بين ابن قائد في جيش الصرب وفتاة مسلمة من البوسنة، وإذ يساهم والد الشاب في مجازر التطهير العرقي ضد المسلمين، وبينها جرائم اغتصاب نساء، تقع حبيبة ابنه ضحيةً في واحدةٍ من هذه الجرائم التي وثّقتها أنجلينا جولي، وضمّنتها قصة الفيلم الذي كسب جمهوراً عريضا، وحاز على جائزة "أفلام من أجل السلام"، واعتبر توثيقاً لحرب البوسنة التي تعد من أكثر حروب العصر وحشيةً وإجراماً، ولا تدانيها في بشاعتها سوى حروبنا العربية - العربية التي اشتعلت في مواجهة طائفة لأخرى.
قيل، في حينه، إن أنجلينا جولي التي كانت لا تزال ممثلةً طالعةً لم ينصفها شباك التذاكر، بدأت "تشتغل في السياسة"، وتعدّدت أوجه هذا "الشغل"، كرّست نفسها لقضايا اللاجئين والمهجرين وفقراء العالم، الذين رمت بهم أقدار بلدانهم في قلب تراجيدياتٍ كونيةٍ، لم نعرفها من قبل، وحصلت على لقب "سفيرة النيات الحسنة" من الأمم المتحدة. وعندما ذهبت إلى أهلنا في مخيمات اللجوء والهجرة وتعاطفت معهم، وعاونتهم وتبرّعت لهم، وعاشت قضيتهم كما لم يعشها فنان من أبناء جلدتنا، أكبرنا فيها هذه المأثرة، وتابعنا أخبارها، واقتنينا صورها، وجعلنا منها "أيقونةً" في بيوتنا، حتى أصبحت لدى بعضنا كما أي فردٍ من أفراد الأسرة، إلى درجة أن أخبار تدهور حالتها الصحية ودخولها المستشفى، وصولا إلى طلاقها من زوجها الأخير، براد بيت، تصدّرت اهتماماتهم، كأي خبر ذي صلة مباشرة بهم. وكنا في حال "احتواء"، نريد أن تكون أنجلينا مثلنا لأننا نحبها. ولذلك، صدمنا تقرير "الديلي ميل" الذي نقل لنا صورة "فضائحية" عنها، وكشف لنا أنها ليست سوى امرأة عادية، كما أية امرأة أخرى، تحب، وتكره، وتغار. كانت في طفولتها منفعلة ومشاكسة، وفي مراهقتها عابثة ومتسكعة، عقدت علاقاتٍ حميمة مع أكثر من شاب، وتعاطت المخدرات، وتزوّجت وطلقت ثلاث مرات.
كان تقرير "الديلي ميل" الذي ترجمه موقع عربي إلكتروني إشكالي، وانتشر على مواقع التواصل، مثار تعليقات متعاطفين، أو ناقمين، أو ساخرين، لكن ما فعله فينا كان أكبر من ذلك، فقد أسقط الهالة المثالية التي حملناها نحن عن جولي، ونسينا في غمرة انفعالنا المحموم أنها هي نفسها التي وقفت معنا، وزارت مخيماتنا، في سورية ولبنان والأردن، وهي التي حمت أطفالنا في المخيمات، بحبها وعطفها وحنانها اللامحدود، وأنها التي منحت بؤساء العالم وفقراءهم ملايين الدولارات، وساهمت في عديدٍ من مشاريع الخير والعون الإنساني. وما فعلته لم يفعله فنانون من بني جلدتنا، محضناهم حبنا، ومنحناهم إعجابنا، وصفقنا لهم، وساهمنا في تنمية ثرواتهم المليونية التي ربما تجاوزت ثروة أنجلينا جولي، لكنهم بخلوا علينا بموقفٍ مساندٍ يخفّف علينا وعلى أطفالنا وقع مآسينا التي تغشانا على مدار الساعة. لا بأس أن نذكر أن واحدا منهم غرّد على "تويتر"، معبّرا عن شعورٍ بالأسى، وآخر أوعز لمدير مكتبه بنقل شعوره بالحزن إلى أطفالنا، وثالثا زار مخيماً للاجئي بلاده التي لم تطأ أقدامه فيها من زمان، وابتسم لطفلٍ وربت على كتفه.
نذكر أيضا أن بعض فنانينا، هم الآخرين، "اشتغلوا في السياسة"، غنّوا للدكتاتوريات، ورحّبوا بغزاة بلادهم، ووقفوا مع ضربها بالبراميل المتفجرة، وكسبوا الملايين باسمها، لكنهم ضنّوا بدينار واحد على طفل مشرد أو امرأة معوقة.
من، يا ترى، الأكثر خطيئة: أنجلينا جولي الخارجة من جلدة أخرى، أم الفنانون من أبناء جلدتنا؟