واقع المؤسسات التشريعية في العالم العربي

05 مارس 2020
+ الخط -
عرفت المؤسسات التشريعية في العالم العربي تطوراً ملحوظاً من حيث المكانة التي أصبحت تحتلها في الأنظمة العربية، وخاصة بعد الربيع العربي الذي لم تندمل جراحه بعد.

فإذا كانت جلّ الدول العربية قد عرفت دساتير جديدة من حيث الشكل والمنهجية والمضمون، ودول أخرى قامت بتعديل دساتيرها، وبالتالي الارتقاء بمجموعة من المؤسسات، ومن بينها المؤسسة التشريعية، فإن واقع هذه الأخيرة تبقى بعيدة عن الشأن العام للمجتمعات العربية، وخاصة الشباب منها، وكأنّ الدساتير السابقة ما زالت تحكمنا. الإشكال الذي يُطرَح هو: هل نحتاج دائماً إلى دساتير جديدة من أجل إسكات الشارع العربي، أم نحتاج إلى نخبة شابة جديدة من أجل إسكات الشارع؟


الشباب العربي والمؤسسات التشريعية
تتفق جميع الدساتير في العالم على أن للبرلمان مجموعة من المهام والوظائف التي تتجلى في ممارسته للوظيفة التشريعية، وذلك من خلال إنتاجه للقوانين، وكذلك ممارسته لوظيفته الرقابية على أعمال الحكومة التي تجري عبر مجموعة من الآليات، منها ما هو متعلق بمسؤولية الحكومة (سحب الثقة). الشباب في العالم العربي يرون أن البرلمانات تبقى وظائفها جداً محدودة وليس لها أي تأثير في الساحة السياسية، الأمر الذي يجعل المشاركة السياسية بالعالم العربي متدنية (المغرب 43%، مصر 41.50%، تونس33,70%، لبنان 49.20%). هذه الأرقام كلها سجلت بعد الانتخابات التي أتت بعد الربيع العربي، وبالتالي فالسبب وراءها يكمن في غياب الثقة بالأحزاب السياسية.

عزوف الشباب العربي عن المشاركة السياسية يعتبر عقاباً يمارسه ضد الأحزاب السياسية التي لم تقم بالأدوارالمنوطة بها دستورياً، سواء داخل المؤسسة التشريعية أو المؤسسة التنفيذية، إذ يبلغ عمر البرلمانيين في العالم العربي ما بين 40 و 60 سنة، وذلك في سنة 80%، إلا أن الأحزاب في العالم العربي لم تقدر على مواجهة المشاكل اليومية التي يواجهها الشباب العربي وفتح باب التجديد أمامهم، وذلك راجع إلى عدم الثقة بقدرة الشباب، وكذلك التشبث بالكراسي، ليس فقط داخل البرلمان، بل داخل جميع المؤسسات.

المغرب نموذجاً
شكل خطاب 9 مارس/ آذار من عام 2011 لحظة تاريخية في مسار المملكة المغربية، وذلك بعد إعلان الملك محمد السادس في الخطاب وضع دستور جديد للمملكة، ليس فقط من حيث شكله، بل كذلك من حيث منهجية إعداده والمضمون الذي أتى به، وذلك من خلال تأسيسه على دعامتين متكاملتين وتضمّنه عشرة محاور أساسية.

ومن أهم هذه المحاور، نجد المحور الخامس الذي مُنحَت فيه اختصاصات جديدة للسلطة التشريعية، إذ أصبحت لها اختصاصات واسعة في المجال التشريعي والرقابي، وبالتالي عُزِّزَت اختصاصات مجلس النواب في مراقبة الحكومة، ووُسِّع مجال القانون من 30 محوراً في دستور 1998 إلى أكثر من 60، كذلك مُنع الترحال البرلماني لأولى مرة، ولأول مرة كذلك جرت دسترة حقوق المعارضة البرلمانية.

لا تهمنا الاختصاصات التي منحها دستور المملكة المغربية لسنة 2011 للمؤسسة التشريعية بقدر ما يهمنا إذا ما وُفِّقَت الأحزاب السياسية في القيام بالأدوار المنوطة بها دستورياً والمنصوص عليها في الفصل 7 من الدستور. فمن بين 53 حزباً سياسياً في المغرب، لا نجد إلا نحو أربعة أحزاب سياسية يتصادم بعضها مع بعض في كل استحقاقات انتخابية، فيما لا يعرف الشباب المغربي منها إلا حزباً واحداً، إذ إن 80% من الشباب المغربي لا يثقون بالعمل الحزبي، و1% منهم ينخرط في العمل السياسي، وذلك راجع إلى ما يسمى في المغرب "الولاء الجهوي"، وكذلك تشبث بعض أعضاء المجالس المنتخبة بمناصبهم، بالإضافة إلى عدم اشتراط المشرع المغربي على الراغب في الترشح للانتخابات التشريعية أن يكون حاصلاً على الشهادات العليا، وكأن دستور 1996 لا يزال يحكم إلى حدود اليوم.