وجاء قرار الإعلان عن ناورت، بعد مداولات عدة لترامب، قرّر إثرها اختيارها وتفضيلها على مرشحين كثر للمنصب. التدقيق في أسباب اختيارها دوناً عن غيرها، لا يحيل إلى خبرات دبلوماسية استثنائية تمتلكها، بل إلى مجموعة أسباب لا تنفصل عن طريقة اختيار ترامب لفريقه من جهة ونظرته إلى الأمم المتحدة من جهة ثانية.
بالنسبة إلى ترامب كان يكفي أنها مقربة من وزير الخارجية المحسوب عليه، مايك بومبيو، الذي اختاره خلفاً لريكس تيلرسون بعدما فشل الأخير، من وجهة نظر ترامب، في ترجمة أفكاره والتماهي معها. كما أن ناورت، التي تمت تسميتها كقائم بأعمال نائب وزير الخارجية للشؤون الدبلوماسية العامة والعلاقات العامة من مارس/آذار حتى أكتوبر/تشرين الأول الماضي، خرّيجة شبكة "فوكس" الإخبارية، المفضلة عند الرئيس على عكس محطات ووسائل إعلام أخرى يهاجمها ترامب باستمرار وينظر إليها على أنها "العدو"، وهي ترى كما الرئيس الأميركي، أن الأخبار الكاذبة مشكلة ليس فقط للولايات المتحدة بل للعالم أجمع.
وبهذا الاختيار يكشف ترامب عن استخفافه بالأمم المتحدة، باختيار سفيرة من خارج السلك الدبلوماسي المحترف، أو حتى الوسط القريب من هذا الحقل. تاريخ ناورت معروف، فقد تخرّجت من جامعة كولومبيا في نيويورك، ثم بدأت بالعمل الصحافي عام 1996. انضمت إلى شبكة "فوكس" الإخبارية عام 1998، واستمرت حتى عام 2005. وبين عامي 2005 و2007، عملت في شبكة "أي بي سي"، قبل العودة إلى "فوكس".
وفي 24 أبريل/نيسان 2017، تمّ تعيين ناورت متحدثة باسم وزارة الخارجية، وتمكنت بسرعة من أداء دورها، رغم الحواجز التي اعترضتها أيام الوزير السابق ريكس تيلرسون. ومع مجيء بومبيو لمع دورها أكثر بعد أن تمّ تعزيز وضعها باعتبارها خريجة "فوكس" القريبة من الإدارة التي استقدمت منها ثلاثة من كبار مسؤوليها من بينهم مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي جون بولتون، قبل أن تأتي استقالة هيلي المفاجئة، لتتيح الفرصة لناورت لخلافتها.
وأثار قرار ترامب ردودا واسعة حول جدارة التعيين. معظم الأوساط أبدت استغرابها من باب أن "الدبلوماسية غير الصحافة". فالضليع في الصحافة قد يصلح لشغل منصب سفير لدى دولة، لكن ليس في الأمم المتحدة. فهذا الموقع يحتاج من يشغله إلى معرفة واسعة بالشؤون والعلاقات الدولية وبخبرة وحنكة في فن الدبلوماسية وصياغة التحالفات وإدارة المفاوضات، خصوصاً في مجلس الأمن، لتمرير القرارات. ثم أن السفير الأميركي في الأمم المتحدة أكثر من سفير، إذ يتمتع عادة بدرجة وزير ويكون عضوا في مجلس الأمن القومي المؤلف من الرئيس ونائبه ووزراء الخارجية والدفاع والطاقة ومدير "سي أي إيه" ورئيس هيئة الأركان للقوات المسلحة، وأحياناً ينضم إليهم وزراء آخرون. لذلك فإن من شغل هذا المنصب كانوا بالمقاييس الأميركية، من العيار الدبلوماسي الوازن عموماً، وهو ما دفع البعض إلى التحذير من أن استمرار هذا النهج سيدفع كبار الدبلوماسيين الأميركيين للإعراض عن تولي هذا المنصب في سنوات لاحقة نتيجة ما يحدث في زمن دونالد ترامب.
هيلي التي تغادر منصبها مع نهاية العام الحالي، لم تكن لديها تجربة في هذا الحقل، فقد كانت حاكمة لولاية كارولاينا الجنوبية، ووجهاً لامعاً في الحزب الجمهوري، فضلاً عن أنها متصهينة أكثر من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه، ومتشددة مع روسيا أكثر من البيت الأبيض. بهذا المزيج وبشيء من الاستقلالية، أزعجت هيلي البعض في البيت الأبيض، فكان أن بادرت إلى الاستقالة قبل أن يصلها مقصّ الإقالة.
هذه التجربة مع هيلي أدت إلى اختيار ناورت، المهيئة لتكون صدى فقط للبيت الأبيض الذي ليس معروفاً ما إذا كان سيمنحها درجة وزير أم لا. لكن المؤكد انها ستعمل وفق ما يرسم لها من خطوط وتبقى في حدوده فقط. أي عملياً وفق ما يرسمه الرئيس وبتأثير بولتون في كثير من الأحيان في الملفات الخارجية، على غرار ما فعلت خلال توليها منصب المتحدثة باسم الخارجية الأميركية.
بالنسبة لناورت فإنها خاضت في ملفات سابقة بشكل ثانوي، ففي قضية مقتل الكاتب، الصحافي السعودي جمال خاشقجي، اعتبرت في وقتٍ سابق أن "التقارير الصادرة والتي تشير إلى أن الحكومة الأميركية توصلت إلى استنتاج نهائي غير دقيقة غير صحيحة، فما زالت هناك أسئلة عديدة ليس لها إجابات بشأن مقتل السيد خاشقجي". وذكرت في حديثٍ آخر أن "الخارجية ستواصل البحث عن الحقائق والعمل مع دول أخرى لمحاسبة أولئك المسؤولين عن مقتل الصحافي، مع الحفاظ على العلاقة الاستراتيجية المهمة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية". ورغم نيتها التمسك بالعلاقة مع الرياض، تماماً كما يصرّ ترامب نفسه، إلا أنها ذكرت بعد إعلان السعودية نتيجة تحقيقاتها الأولية مطلع الشهر الماضي، أن "بيان النيابة السعودية هو خطوة أولى هامة ونتوقع من السعودية مواصلة تحقيقاتها. ونحن مستمرون في جمع المعلومات وتحليلها في قضية خاشقجي لاتخاذ القرارات المناسبة بشأنها". ولفتت إلى أنه "نسعى لكشف الحقائق والتشاور مع الكونغرس والعمل مع دول أخرى لمحاسبة المسؤولين عن قتل خاشقجي".
أما في الموضوع الفلسطيني، فرددت ناورت كلام ترامب أكثر من مرة، واعتبرت في موضوع وقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، أن "الولايات المتحدة كانت تدفع الأموال إلى الفلسطينيين بسخاء"، مضيفة أن "السلطة الفلسطينية فشلت بتحديد الأولويات في دفعها، واختارت أن تمول أشياء أخرى مثل دفعات مالية لعائلات (الإرهابيين) والسجناء". وأضافت أن "الولايات المتحدة ليست مسؤولة عن تحمل فاتورة المستشفيات الفلسطينية، وإنما السلطة الفلسطينية هي المسؤولة عن تغطية نفقات علاج الفلسطينيين". وأوضحت أنه "ينبغي أن تخصص الأموال لتغطية علاج الفلسطينيين، وليس لصرفها على عائلات (الإرهابيين)"، مشيرة إلى أن "الولايات المتحدة لا يجب أن تتحمل هذه الفاتورة". كما رأت أن "نموذج عمل أونروا وممارساتها المالية، عملية معيبة بشكل لا يمكن إصلاحه. راجعت الإدارة المسألة بحرص وخلصت إلى أن الولايات المتحدة لن تقدم مساهمات إضافية لأونروا"، مشيرة إلى أن "توسع مجتمع المستفيدين أضعافاً مضاعفة وإلى ما لا نهاية لم يعد أمراً قابلاً للاستمرار".
أما في الشق الإيراني، فقد وصفت ناورت الهجمات الإيرانية على مقرّ للحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني، في كوي سنجق الواقعة بين محافظتي أربيل والسليمانية في إقليم كردستان العراق، بأنه بـ"الجهد الإيراني لزعزعة استقرار العراق وحكومته وزعزعة استقرار المنطقة، فعندما ننظر للوضع الحالي في العراق، من المهم أن نشير إلى أن ايران عنصر سيئ في المنطقة وفي العالم وفي هذه الدولة تحديداً".