وأوضحت المنظمة أنها استندت في تقريرها إلى تحقيق معمّق أجرته على مدى سنة من ديسمبر/كانون الأول 2015 إلى ديسمبر 2016، وتضمّن مقابلات مع 84 شاهداً، بينهم حراس سابقون في السجن ومسؤولون ومعتقلون وقضاة ومحامون، بالإضافة إلى خبراء دوليين ومحليين حول مسائل الاعتقال في سورية. وبحسب التقرير، فإن "الإعدامات السرية" تمت "خارج نطاق القضاء"، و"أُدين الضحايا وحُكم عليهم بالإعدام عقب محاكمات أمام محكمة الميدان العسكرية الكائنة في حي القابون بدمشق، وتستغرق المحاكمة الواحدة ما بين دقيقة واحدة وثلاث دقائق كحد أقصى". وأوضح التقرير أن السجناء يكونون "طوال العملية معصوبي الأعين، لا يعرفون متى أو أين سيموتون إلى أن يلف الحبل حول أعناقهم". ونقل التقرير عن قاضٍ سابق شهد هذه الإعدامات قوله "كانوا يبقونهم (معلقين) هناك لمدة 10 إلى 15 دقيقة". وأضاف أن "صغار السن من بينهم كان وزنهم أخف من أن يقتلهم فكان مساعدو الضباط يشدونهم إلى الأسفل ويكسرون أعناقهم". وأكدت المنظمة الحقوقية، أن هذه الممارسات ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ولكنها مع ذلك مستمرة على الأرجح.
مخفيون داخل السجن
يبعد سجن صيدنايا عن دمشق نحو 30 كيلومتراً، دخل الخدمة عام 1987، وخلال السنوات الثلاثين من عمره عُرف، أنه أسوأ سجون النظام العسكرية، فالسوريون يقولون إن "الداخل لسجن صيدنايا العسكري مفقود والخارج مولود". وسجل خلال خدمته اختفاء ومقتل عشرات آلاف المعتقلين، بحسب إفادات منظمات حقوقية وإنسانية ومعتقلين سابقين فيه.
ويتألف سجن صيدنايا العسكري من مبنيين، المبنى القديم ويُعرف بالمبنى الأحمر، وهو الأشد خطراً على حياة المعتقلين جراء التعذيب وسوء الرعاية الصحية، وهو مخصص للمعتقلين السياسيين والإسلاميين، والمبنى الأبيض وهو مخصص للعسكريين، المرتكبين مخالفات عسكرية كالفرار أو عصيان الأوامر وغيرها من قضايا العسكريين، وهو أيضاً يُعتبر من أقسى السجون العسكرية.
أما المبنى الرئيسي لسجن صيدنايا فيتألف من ثلاثة طوابق، يُقسم كل طابق إلى ثلاثة أقسام، في كل قسم 20 مهجعاً جماعياً، طول الواحد منها 8 أمتار بعرض 6 أمتار، في حين يحتوي الطابق الأرضي على مائة زنزانة منفردة، لا تزيد مساحة الواحدة منها عن أكثر من متر مربع واحد. المبنى المكون من ثلاثة أبنية، تجمع بينها ساحة تسمى "المسدس"، ويتوسط الأجنحة الثلاثة برج مرتفع، ويتبعه مبنى يُسمّى "مبنى القيادة"، وتوجد فيه مكاتب الضباط المسؤولين عن السجن. في حين يتألف المبنى الأبيض، وهو بناء مستقل مستطيل الشكل، من أربعة طوابق، وهو أصغر من المبنى الرئيسي القديم.
ويوزع المعتقلون في المبنى الأحمر منذ افتتاحه، حسب انتماءاتهم والتهم الموجّهة إليهم، إذ ضم السجن معتقلين إسلاميين من "الإخوان المسلمين" منهم من اعتُقل منذ ثمانينيات القرن الماضي، ومن حزب "التحرير الإسلامي"، ومعتقلين من جنسيات عربية على رأسهم لبنانيون وفلسطينيون، إضافة إلى معتقلين سياسيين شيوعيين وأكراد، إضافة إلى العسكريين.
وتُعتبر حرب العراق عام 2003، علامة فارقة بتاريخ سجن صيدنايا، الذي أصبح في المجمل سجناً للإسلاميين السلفيين الجهاديين، فتحوّل إلى معتقل للجهاديين العائدين من الحرب عبر الأراضي السورية على اختلاف جنسياتهم، وعناصر تنظيم "القاعدة"، وشخصيات إسلامية لها مواقف صدامية مع النظام. وتفيد تقارير أن السجن معد لاستيعاب نحو 5 آلاف سجين، وفي حالة الازدحام الشديد قد تصل قدرته الاستيعابية إلى 10 آلاف سجين، لكن عقب بداية الثورة السورية عام 2011، وصل عدد المعتقلين فيه إلى 15 ألف معتقل، في وقت تُنفذ فيه عشرات الإعدامات داخله بشكل أسبوعي.
وكان تقرير سابق لـ"الرابطة السورية للدفاع عن حقوق الإنسان"، عن أوضاع المعتقلين في السجن، أظهر أنه تجري في السجن محاكمات دورية كل يوم ثلاثاء، تقيمها محكمة الميدان العسكرية، وتُصدر الأحكام على المعتقلين المُدانين بالمشاركة بالنشاطات المدنية أو العسكرية المناهضة للنظام السوري بالإعدام، الذي يُنفذ في العادة يومي الإثنين والخميس في ساحة قريبة من السجن، وبمعدل 40 سجيناً أسبوعياً، ويتم رمي جثثهم في مكان مجهول لاحقاً.
وتُعتبر المحكمة الميدانية العسكرية، محكمة استثنائية وُجدت بموجب المرسوم التشريعي رقم 109 لعام 1968، إبان وصول البعث إلى الحكم، ويُعيّن قضاتها من وزير الدفاع، وهم مسؤولون عن نتائج أحكامهم. وعلى الرغم من أنها مختصة بالعسكريين إلا أن الرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد، وسع من صلاحياتها المستمرة إلى اليوم، لتطاول المدنيين أيضاً. وبحسب قانونها الخاص يُمنع فيها أن يُدافع المتهم عن نفسه، أو حضور محاميه الجلسات أو تقديم الدفاع عنه أو الاطلاع على ملفه، وهي مكوّنة من ثلاثة ضباط، في الغالب يصدرون حكمهم خلال جلسة واحدة، ولا يحق للمتهم استئناف الحكم أو نقضه فأحكامها مبرمة، وتنفذ خلال أيام بمجرد إقرارها من قبل وزير الدفاع، ومن المتعارف عليه في تلك المحكمة أن المحالين إليها، وغالبيتهم الساحقة من الأفرع الأمنية، تكون عقوبتهم الإعدام وفي حال التخفيف لا تقل عن 15 عاماً وهي حالات قليلة.
تعذيب بمختلف أنواعه
ويقول حسان الحمود، أحد معتقلي صيدنايا السابقين، إن التعذيب الذي يتعرض له المعتقلون "كناية عن مختلف أنواع التعذيب الجسدي والإذلال المعنوي اليومي، إذ يتعرض نزلاء السجن الأحمر لعمليات الضرب بمختلف الأدوات الصلبة والمرنة، والتعليق الذي يُعرف باسم الشبح، وهو عبارة عن تعليق المعتقل من يديه لفترة طويلة، والصعق بالكهرباء، والحرق بالزيت المغلي أو السجائر". ويشير إلى أن "التجويع من عمليات التعذيب الدائمة في السجن، فيحصل المعتقل على رغيف خبز واحد كل يوم، مع حبة بطاطا أو بندورة، كما يُمنع من التوجه إلى الحمامات أكثر من مرة واحدة في اليوم فقط. كما ينال البرد القارس من المعتقلين، الذين يُترك كثير منهم عُراة، ومن دون أغطية لفترة طويلة في السجن".
ويذكر معتقلون آخرون أنهم "كانوا في كثير من الأحيان يرمون لهم الطعام على الأرض، وغالباً بكميات قليلة، ومنهم من ذكر أنهم كانوا يخصصون حصة أكبر لبعض الأشخاص، لكي يستطيعوا تحمل الضرب والتعذيب نيابة عن معتقلي الزنزانة، ولأتفه الأسباب كان السجان يطلب أن يخرج أحد المعتقلين لينال العقوبة". ويوضح هؤلاء أن "بعض من يخرج لم يكن ليَعد، وكان بعض السجانين يتقصدون إلحاق الأذية بالمعتقل وكأنهم يعتبرونه، أنه يتحداهم، في وقت يموت فيه كثير من المعتقلين في المهاجع جراء الجوع وتردي الأوضاع الصحية، ويتم إخراجهم بأمر السجان خلال الجولة الصباحية والمسائية".
يشار إلى أنه من أشهر ما يذكره السوريون عن السجن هو تنفيذ عصيان جماعي من السجناء، في شهر يوليو/تموز من عام 2008 جراء اعتراضهم سوءَ المعاملة، أعقبه اقتحامه من قوات تابعة للشرطة العسكرية، الأمر الذي أدى لمواجهات استمرت أياماً بين السجناء وقوات النظام في السجن، بعد تمكن السجناء من السيطرة على المبنى الرئيسي في السجن بالكامل، وراح ضحيته عشرات القتلى. ويحمّل معتقلون وناشطون المسؤولية المباشرة مديرَ سجن صيدنايا حينها، العميد طلعت محفوظ، والذي كان قبلها مدير سجن تدمر، وهو قُتل عام 2013 على يد مسلحين معارضين في ريف دمشق. كما يُعتبر سلفه، علي خير بيك، اسماً لن ينساه معتقلو صيدنايا، جراء الإجراءات التي اتخذها من منع الزيارات والمبالغة في الإجراءات العقابية وأساليب التعذيب بحق السجناء، وكان آخر إجراء قام به قطع التيار الكهربائي عن السجن بالكامل لعدة أشهر بداية عام 2008.