هولاند تحت رحمة وزرائه السابقين في معركة الانتخابات الرئاسية

26 اغسطس 2016
طالب بعض الوزراء هولاند بعدم الترشح لولاية ثانية (Getty)
+ الخط -
على بعد ثمانية أشهر من الانتخابات الرئاسية الفرنسية يعيش الرئيس فرانسوا هولاند على وقع "هجمات منظّمة"، ليس فقط من طرف الشخصيات اليمينية المتطرفة، بل من قبل عائلته السياسية وتيار "الساخطين" المناهض له داخل الحزب الاشتراكي. فخلال أيام معدودة، أقدم ثلاثة وزراء سابقين في الحكومة الاشتراكية على تقديم ترشيحاتهم لانتخابات الرئاسة الفرنسية هم: وزير الاقتصاد السابق آرنو مونتبورغ الذي ترشح مباشرة للاستحقاق الرئاسي، ووزير التعليم السابق بونوا هامون الذي أعلن ترشحه للانتخابات التمهيدية داخل الحزب الاشتراكي، ووزيرة الإسكان السابقة سيسيل ديفلو التي ترشحت للانتخابات التمهيدية داخل حزب "أوروبا البيئة والخضر".

هذه الترشيحات الثلاثة تُضاف إلى لائحة أخرى من الأسماء اليسارية الطامحة للوصول إلى قصر الإليزيه منها: رئيس حزب "اليسار"، جان لوك ميلانشون، ورئيس "الحزب الجديد المناهض للرأسمالية" فيليب بوتو، وناتالي أرتو عن حزب "المقاومة العمالية" الراديكالي.

ويبقى القاسم المشترك بين مرشحي اليسار، لاسيما الوزراء السابقون في الحكومة الاشتراكية، هو قطع الطريق أمام هولاند ليحجم عن الترشح لولاية رئاسية ثانية. بل إنّ غالبيتهم تبرّر ترشحها للرئاسة باستحالة مساندتهم لترشح هولاند باسم اليسار، ذلك أن هولاند بالنسبة لهم خان مجمل الشعارات التي رفعها في حملته الانتخابية السابقة وتخلى عن الحد الأدنى من المبادئ اليسارية خصوصاً في المجالين الاجتماعي والاقتصادي خلال ولايته الرئاسية.

وإذا كانت الانتقادات الشديدة التي يوجهها مرشحو اليسار الراديكالي منطقية ومؤسسة على منطلقات إيديولوجية ثابثة، فإن اللافت هو النبرة العنيفة للمترشحين من الوزراء السابقين. فبالنسبة لوزير الاقتصاد السابق مونتبورغ، فإن "حصيلة هولاند الرئاسية كارثية بكل المقاييس وهي فرصة ضائعة للحزب الاشتراكي، لذا من المستحيل عليّ وعلى ملايين الفرنسيين أن يساندوه"، كما قال خلال إعلانه الترشح الأسبوع الماضي. وذهب مونتبورغ إلى حد دعوة هولاند إلى عدم الترشح قائلاً "أطلب من هولاند أن يفكر جيداً قبل أن يتخذ قراره وأن يضع في اعتباره المصلحة العليا للوطن، والضعف الشديد الذي اتسمت به ولايته الرئاسية، وأن يتحلى بروح المسؤولية ويجابه أخطاءه ويتخذ في النهاية القرار المنطقي الذي يفرض نفسه".

أمّا وزيرة الإسكان السابقة التي كانت تشغل منصب زعيمة حزب الخضر، فكانت لهجتها أكثر عنفاً ضد هولاند وحصيلته الرئاسية. ففي الرسالة التي بعثتها للمنتسبين لحزب "البيئة والخضر" دانت ديفلو بشدة هولاند قائلة إنّه "رئيس سياسة التقشف العمياء والتقلّص المخزي في الميزانيات". واعتبرت أنه "أدار ظهره لكل التزاماتنا تجاه المستقبل، وسياسته المتمثلة في التخلي عن اللاجئين هي بمثابة واترلو أخلاقية"، وذلك في إشارة إلى الهزيمة التاريخية والمدوية للفرنسيين في معركة واترلو ضد الإنكليز.




وزير التعليم السابق، القيادي الاشتراكي الشاب بونوا هامون تحدث بالاتجاه ذاته، مصرّحاً بأن "هولاند بالنسبة لي ليس هو المرشح المناسب للحزب الاشتراكي لأنه لم يجرؤ حتى على تجربة السياسة اليسارية في الكثير من المجالات، خصوصاً الاجتماعية والاقتصادية. وفات الأوان الآن لإعادة بناء الثقة بينه وبين الناخبين".

واللافت، أن معركة الترشيحات للرئاسة على مستوى اليسار لا تزال مفتوحة، ذلك أن وزير الاقتصاد الحالي إيمانويل ماكرون لم يقل بعد كلمته الأخيرة في هذا الشأن، وهو الذي لم يتوقف طيلة الأشهر الماضية عن التلميح لرغبته في الترشح. وبحسب العديد من المتابعين للشأن السياسي الفرنسي، فإن الاعلان عن ترشح ماكرون رسمياً للرئاسة سيتم في المستقبل القريب، خصوصاً أنه خلال أول تجمع جماهيري لحركته السياسية "ماضون قُدُماً" في يوليو/تموز الماضي بباريس، رسم معالم برنامج انتخابي أعلن فيه عن طموحه في "كتابة تاريخ جديد لفرنسا يتجاوز ثنائية اليسار واليمين".

وفي حال ترشح ماكرون، وفقاً لمراقبين، فستكون الواقعة بمثابة طعنة في الظهر بالنسبة لهولاند الذي جعل من ماكرون شخصية سياسية وأتى به من عالم المال والأعمال ليجعله مستشاراً بعد فوزه في رئاسيات عام 2012، وفرضه بالقوة على الحزب الاشتراكي وحكومة مانويل فالس. كما ستكون الطعنة أكثر ألماً لكون ماكرون صار يتمتع بشعبية كبيرة في أوساط الناخبين يميناً ويساراً في استطلاعات الرأي تفوق بكثير كل المرشحين من صفوف اليسار بمن فيهم هولاند نفسه.

وهناك أيضاً وزيرة العدل السابقة كريستيان توبيرا التي أصبحت تكنّ عداء شديداً لكل من هولاند وفالس بعد إجبارها على الاستقالة من الحكومة في مستهل العام الحالي بسبب إصرار هذه الأخيرة على إقرار مشروع قانون سحب الجنسية عن الفرنسيين من أصول عربية وإسلامية الضالعين في قضايا الارهاب، وهو المشروع الذي تخلى عنه هولاند وفالس في نهاية المطاف.

وفتحت توبيرا النار، الثلاثاء الماضي، على فالس وأكدت أن "باستطاعتها أن تفتح العلبة السوداء وتفضح سياسات الحكومة الاشتراكية في مجال العدل والسجون"، وذلك رداً على كلام وجهه فالس، أخيراً، لها انتقد فيه بعض قراراتها أثناء توليها حقيبة العدل. وإذا كانت توبيرا تبدو أقل حماساً للترشح للرئاسيات، فقد تخوض الحملة الانتخابية لصالح أحد مرشحي اليسار المناهضين لهولاند، وهذا في حد ذاته عائق آخر وإضافي يزيد من تعقيد المهمة على الرئيس.

إذاً يبدو طريق هولاند إلى ولاية رئاسية ثانية معبّداً بالأشواك والعراقيل داخل بيته السياسي. كما تبدو حظوظ اليسار في ولاية ثانية ضئيلة جداً بالنظر إلى تعدد الترشيحات اليسارية، ما يشير إلى احتمال إعادة سيناريو 21 إبريل/نيسان 2002، حين تم إقصاء المرشح الاشتراكي ليونيل جوسبان في الدور الأول بسبب تشتت أصوات الناخبين اليساريين بين مرشحين عدة. وهذا الأمر فتح الباب أمام رئيس حزب الجبهة الوطنية المتطرف، آنذاك، جان ماري لوبان للمرور إلى الدور الثاني، برفقة مرشح اليمين، آنذاك، جاك شيراك الذي تمكن في النهاية من الفوز بولاية ثانية بفضل أصوات ناخبي اليسار.

هذه المعطيات دفعت بالعديد من الشخصيات في الحزب الاشتراكي إلى دق ناقوس الخطر وكان آخرها رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس الذي حذّر، الثلاثاء الماضي، من وقوع كارثة سياسية في اليسار ابتداء من الدور الأول للانتخابات الرئاسية بسبب الخلافات التي يشهدها "البيت اليساري"، وترشح الوزراء السابقين داعياً الجميع إلى "التعقل والتحلّي بالمسؤولية قبل فوات الأوان".