أسافر في جسدك
أسافرُ في جسدك، هل فقط في جسدك؟
لكن كم سيكونُ موجزاً ذاكَ السفرُ
إنْ كانتِ الرُّوحُ العاريةُ عن الجسد
لا تُعطيني صورتَهُ الدقيقة.
■ ■ ■
هنا يسقطُ الحجرُ
هنا يسقطُ الحجرُ محدثاً صوتاً مختلفاً
لأن الماء أكثر كثافة ولأن العمق
يستقرُّ بثباتٍ في أقواس
أفران الأرض
هنا تنعكسُ الشمسُ وتلامسُ السطحَ
أغنية حمراء تنثرها الريحُ.
عراة في الضفَّة متشنّجينَ نُشعلُ
النارَ الشامخة.
طيور تولدُ في السَّماء وتلتمعُ أسماكٌ
انسحبَ الظلُّ كلُّهُ، ماذا ينقصنا أكثر؟
■ ■ ■
ساعة
أمضي عبر الطريق الممتد تحت الضوء المشع
للفجر الطويل: الشمسُ لا تتخلفُ
عن اللقاء المحدَّدِ في صمت
الليل المتنحّي.
يقين الشمس، الفجر
جسدي من تراب، وهو يستكشف
في هذه الوردة المذهبة التي تأتي
من الموتِ بالحياةِ القريبةِ جداً.
■ ■ ■
فلتأتي أخيراً
فلتأتي أخيراً الأفراح المتأججة
ساعات الفجر الحارقة والليالي الساكنة
فليأتي السلام المنشود، الوئام،
واستردادُ الثِّمار، زهرة الأرواح.
فلتأتي، يا حبيبتي، لأن هذه الأيام
متعبة من الموت
من الحنق والاحتضاراتِ
ولا شيء.
■ ■ ■
فرحٌ
أسمعُ في البعيدِ صرخاتٍ
ها صوتُ الحبِّ يقولُ
فرحَ الجسدِ
نسيانَ الألم
الرّياح قد احتجبتْ
وها هو الصَّيفُ يَمْنَحُنا ذاته
كم مِنَ الثِّمارِ وكم مِنَ الينابيعِ
والشَّمْس التي تدفِّئُنا
ها أُجمِّعُ الياسمين والنَّاردين
ها لديَّ أطواقٌ منْ ورودٍ
وأنا أرقصُ في منتصفِ الطريقِ
رقصاتٍ خطيرةً،
ها تُقدَّمُ الابتساماتُ
وها تُمنَحُ كُلُّ العَوْداتِ
أوَّاهُ يا يَقينَ اليقيناتِ
أوَّاهُ يا فرحَ الأعراسِ.
■ ■ ■
الجسر
زجاجٌ يفصلني
عن الريحِ الباردةِ للمساءِ
في شرنقةِ صمتٍ
حيثُ الأسرارُ والهواءُ
روافدُ جسْرٍ
لا أتوانى في مَدِّهِ
يبقى الجسرُ في الفضاء
منتظراً ذاك الذي سيعبرُ
فباعثُ أنْ يكونَ الجسْرُ
يتجاوزُ الرغبة
في أن تكونَ حيثُ لا يكونون
يأتي الليلُ وعدَّتهُ
طبيعته السَّوداء
لعل القمرَ لا يتخلفُ
أو تأتي أمطارٌ من نجومٍ
يكفي أن يسمحَ الحلمُ
بالثقةِ في مشاهدتها.
وغداً اليومُ الجديدُ
إن كنتُ أستحقُّهُ ومُنِحْتُ
منَ الجسر عموداً آخرَ
مغروساً في أعماق البحر
سوف يقلِّصُ المسافة
التي بعدُ ما زال متبقياً قطعُها مشياً
ثمَّة دوماً زاويةٌ للنظر
الأفقُ الأكثرُ شُيُوعاً
حيثُ لا تصلُ جسورٌ
لأنَّ البُناة ينتهون
قبل أن يتوحدَ الجسرُ
وحيثُ يأخذُهُ المصيرُ
فوقَ فراغ البحر
ويلقي خطَّ الجسر
ويمضي أمام البناءِ
لا تسألوا لِما يَصلحُ
هذا العنادُ الإنسانيُّ
الذي يعلنُ جرأتَهُ فوقَ الجسر
أفتحُ الزُّجاجَ
فَتُنسى الريحُ كلُّها
لا نجمة سقطتْ
ولا القمرُ ساعدَني
وها هو الفجرُ المحمَرُّ
يلوّحُ خلفَ الجسر.
■ ■ ■
متاهة
في ذاتي أفتقدُكِ، تجلٍّ ليليّ،
في هذا الغابِ من خَدِيعةٍ، في هذا الغيابِ،
في هذا الضَّبابِ الرمادِيِّ للمسافةِ،
في هذا الممَرِّ الطويلِ منْ أبوابٍ زائفة.
مِنَ الكُلِّ يخْلقُ العَدَمُ، وذاكَ العدمُ
سيُسْتَوْطَنُ للتوِّ بِجَسَدٍ حَيٍّ
مثلَ جُزُرِ أحلامٍ تطفو
بين الضَّبابِ، في الذاكرةِ المُستعادةِ.
أقولُ في ذاتي أفتقدكِ حينما يمْضِي الليلُ
واضِعاً فوقَ الأفْوَاهِ أخْتَامَ
اللُّغْزِ الذي إذْ يُتلفَّظُ بهِ يَنْبَعِثُ
ويلتفُّ في أدخنةِ السِّرِّ.
في اللفِّ وإعادةِ اللَّفِّ الذي يُحْزنُنِي
في التلَمُّسِ الأعمى بعينين مفتوحتين،
ما بَوَّابَةُ المَتاهةِ
حيثُما وجْهُ الشَّمْسِ خَطواتٌ مَضْبُوطَةٌ؟
في ذاتي أفتقدُكِ، ألِحُّ في ذاتي أهربُ مِنْكِ،
في ذاتيَ ينْصَهِرُ الزُّجاجُ ويتحولُ إلى شظايا،
بل إنَّ جسدي المُتعبَ لمَّا ينكسِرُ
فيكِ أغالبُ ذاتي وأجدُ الخَلاصَ، وفيكِ أعثُرُ على ذاتي.