بعد الإطاحة بـ دينيس مويلنبيرغ، من الرئاسة التنفيذية لعملاق صناعة الطائرات الأميركي بوينغ، على خلفية أزمة الطائرة ماكس 737، اختار مجلس إدارة الشركة ديفيد كالهون خليفة له وهو الرجل الذي أنقذ قطاع الطيران في شركة جنرال إليكتريك، في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، التي كانت بالنسبة للشركة واحدة من أكبر الأزمات التي واجهتها شركات العالم في التاريخ.
كالهون، الذي تم اختياره رئيساً لمجلس إدارة شركة بوينغ قبل شهرين فقط، والذي تواجد في المجلس كعضو على مدار أكثر من عقد من الزمان، أصبح الرئيس التنفيذي الجديد لعملاق الطيران، ليتحمل مسؤولية استعادتها لثقة عملائها، ومن قبلهم موظفوها، في واحدة من أحلك لحظاتها، اعتباراً من 13 يناير / كانون الثاني الجاري.
ورغم تفضيله العمل وراء الستار، وإيمانه بأن التخفي هو جزء هام من الشخصية القيادية، عرف مجتمع الأعمال في العالم كالهون العنيد، المقاتل الصلد في الأزمات، بعد أن قاد العديد من الشركات الكبرى في ظروف شديدة الصعوبة.
وبخلاف رئاسته جنرال إليكتريك، بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، ترأس كالهون، الحاصل على شهادة جامعية في المحاسبة من جامعة فيرجينيا تك، مجلس إدارة كاتربيلار، عملاق صناعة المعدات الثقيلة، بعد أيام قليلة من اقتحام رجال المباحث الفيدرالية، ومعهم مندوبون من وزارة العدل ومصلحة الضرائب، لمقر الشركة الرئيسي في مارس / آذار 2017.
وقاد كالهون أيضاً عملية طرح أسهم شركة أبحاث الإعلام "نيلسون" للاكتتاب، كما شغل لفترة طويلة مناصب عليا تنفيذية في مجموعة الاستثمار الخاص الشهيرة بلاكستون.
وساعد التحاق كالهون في بداية حياته بجنرال إليكتريك، للعمل تحت أسطورة الشركة ورئيسها التنفيذي جاك ويلش على تكوين جزء هام من شخصيته المهنية، ممثلاً في الصرامة والوضوح، حتى أن زملاءه السابقين يقولون إنه "إذا توصل إلى قرار، فإنه يعمل على تنفيذه بلا كلل"، مؤكدين أن رسائله إلى مرؤوسيه كانت دائماً على قدر كبير من الوضوح، ولا يمكن إساءة فهمها.
ورغم أنه لن يكون غريباً على بوينغ، إلا أن طريق كالهون في المرحلة القادمة ليس ممهداً، حيث يتعين عليه إصلاح العلاقات مع مفتشي الطيران وواضعي القوانين المنظمة للصناعة، وقيادة سفينة الشركة في ظل أزمات السيولة التي تحيط بها من جراء أزمة إلغاء العديد من عقود الشراء، كما إيقاف إنتاج الطائرة المعيبة، بالإضافة إلى تقديم الطائرة الجديدة 777 أكس، في وقت تقف فيه الجهات الرقابية للشركة بالمرصاد.
ولا تقتصر التحديات التي سيواجهها كالهون على كيفية إقالة بوينغ من عثرتها، وإنما تمتد لتشمل قضايا لم يتعرض لها المدير البالغ من العمر 62 عاماً من قبل، مثل حالة بول نجوروجي، الكيني الذي يعيش حالياً في كندا ويعمل بالاستثمار بإحدى المؤسسات المالية، والذي فقد زوجته وأمها وثلاثة من أبنائه في حادث سقوط طائرة بوينغ في مارس / آذار الماضي.
وطوال الفترة الماضية، كان كالهون هو الواجهة الرئيسية لمجلس إدارة بوينغ في التعامل مع الأزمة، داخلياً وخارجياً، مؤكداً دعمه للرئيس التنفيذي مويلنبيرغ قبل إقالته.
وخلال فترة الشهرين التي شغل فيها مقعد رئيس مجلس الإدارة غير التنفيذي، كان له تحركاته خلف الستار، والتي نجح بها في إبعاد أكثر من قيادة عن عمليات الشركة، ومنهم مويلنبيرغ نفسه، الأمر الذي أكد لكل من حوله صحة ما يعرف عنه من "غياب تام للعاطفة، ووجود دائم للمنطق في كل القرارات". ورغم ذلك، تشير مستندات جامعة فيرجينيا تك إلى تلقيها مبلغ 20 مليون دولار تبرعاً من كالهون.
وبعد أن واجهت بوينغ انتقادات كثيرة من المنظمين وأعضاء الكونغرس وعائلات الضحايا، على خلفية سقوط طائرتين من تصنيعها في إندونيسيا وإثيوبيا، وبعد قرار الشركة مؤخراً بتعليق إنتاج الطراز المعيب، التي اعتمدت عليها العديد من شركات الطيران حول العالم في الفترة الأخيرة، أمضى كالهون وقتاً طويلاً، بعد الإعلان عن تعيينه في منصب المدير التنفيذي للشركة قبل أيام، متحدثاً مع عملاء الشركة ومسؤولين حكوميين، لأنه يدرك جيداً أن أهم أزمات بوينغ يتركز في كيفية استعادة ثقة من تتعامل معهم.
وفي مقابلة سابقة مع إحدى المجلات، أوضح كالهون ما يراه الأولوية الكبرى لبوينغ في الفترة القادمة، حين قال "هناك شيء واحد يجب عمله، وهو تصنيع طائرة آمنة مرة أخرى، وجعلها تطير في السماء"، مضيفاً "وسنفعل ذلك. هذا ما نفعله".
كالهون، الذي أشار في العديد من المناسبات إلى أنه يستطيع العمل على مدار الساعة، يؤكد أنه يقدر جداً تحقيق التوازن بين العمل والحياة الأسرية، ولذلك فهو يعمل دائماً على التنسيق بينهما، لقضاء وقت جيد مع زوجته وأولاده الأربعة.