يعاني الصندوق الوطني للتقاعد في الجزائر من أزمة مالية حادة تستوجب البحث عن حل سريع لإنقاذه، فقد تمَّ تسجيل ما مجموعه 3.2 ملايين مستفيد من استحقاقات التقاعد حاليا، حسبما ذكر المدير العام للصندوق، سليمان ملوكة، يوم 3 يوليو/ تموز 2018، كذلك أشار إلى أنّ عدد حالات التقاعد لعام 2018 بلغ 50 ألف متقاعد، وهو أقل بكثير مما تمَّ تسجيله في السنوات الماضية.
وأكَّد ملوكة تدهور الوضعية المالية لصندوق التقاعد في السنوات الأخيرة، نتيجة الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالاقتصاد الوطني من جهة وبسبب تقاعد عدد كبير من العمال قبل السن القانونية للتقاعد من جهة أخرى، إذ يعاني الصندوق من عجز مالي كبير.
فبعدما بلغت نفقات صندوق التقاعد 600 مليار دينار جزائري (5.09 مليارات دولار) وإيراداته 650 مليار دينار (5.51 مليارات دولار) سنة 2012، من المتوقع أن تصل النفقات إلى 1200 مليار دينار (10.18 مليارات دولار) وإيراداته إلى 700 مليار دينار (5.94 مليارات دولار) مع نهاية سنة 2018.
ونظراً لهذا الوضع الحرج، قدَّمت الحكومة دعماً كبيراً لصندوق التقاعد في سنة 2018 وخصَّصت له مساهمة قدّرت بـ 15 بالمائة من النفقات.
وأعلنت وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي في 8 مايو/ أيار 2018 عن رفع معاشات التقاعد بمعدل يتراوح من 0.5 إلى 5%، وذلك بالاعتماد على مبلغ المعاش، وبلغت تكلفة العملية 22 مليار دينار، أي ما يُعادل 186.5 مليون دولار، ويكمن الاختلاف هذه السنة في أن الزيادات جاءت لمصلحة ذوي المعاشات الضعيفة، عكس ما طُبّق سابقاً من زيادات موحَّدة لكل المعاشات.
اقــرأ أيضاً
كذلك قدَّمت الحكومة دعماً مالياً قيمته 500 مليار دينار، أي ما يعادل 4 مليارات و241 مليون دولار في سنة 2018، لتقوية منظومة الضمان الاجتماعي وتمكينها من استرجاع توازنها المالي، وسيتكرَّر هذا الدعم إذا اتخذت الحكومة قراراً مماثلاً في قانون المالية لعام 2019.
وهذا الدعم ما هو إلا حلّ ظرفي ولن يخلّص الصندوق الوطني للتقاعد من مشكلاته المزمنة، لا سيَّما عند الأخذ بعين الاعتبار التركيبة الديموغرافية في البلاد، والتبعية الكبيرة للريع النفطي الذي يُعد المغذي الرئيسي للصندوق، ولن تستمرّ تلك الحلول المُسَكِّنة مع انهيار أسعار النفط في المستقبل، والتي تعد حلولاً ترقيعية من الدرجة الأولى وتأجيلاً للأزمة وترحيلاً لها إلى السنوات العجاف المقبلة ولن يجدي الحوار الاجتماعي نفعاً آنذاك.
ويعاني الصندوق الوطني للتقاعد في الجزائر من صعوبة كبيرة في دفع معاشات المتقاعدين، لا سيَّما في ظل شحّ موارده، وللمرة الأولى في تاريخ الصندوق، خصَّصت الحكومة، بموجب قانون المالية لسنة 2018، ضريبة تقدّر بنسبة 1% على المنتجات المستوردة التي يعاد بيعها لفائدة هذا الصندوق والذي سيرى ثمار ذلك القرار خلال الأشهر المقبلة، وإن كان ذلك غير كافٍ، من جهة نتيجة للتدفّق الهائل للعمال الذين بلغوا سنّ التقاعد القانونية والتقاعد المبكر لعمال آخرين منذ سنة 1995، ومن جهة أخرى نتيجة لقلة عدد الموظفين المساهمين في هذا الصندوق.
ولن يتمكَّن الصندوق الوطني للتقاعد في الجزائر من التعامل مع الزيادة الكبيرة في عدد العمال الذين سيتقاعدون مستقبلاً وابتداءً من سنة 2020 إذا ظلّت معدلات النمو الاقتصادي ومساهمات الموظفين والمساهمات الحكومية الأخرى عند مستوياتها الحالية، وإذا بقي نمو الإنفاق في هذا الصندوق أسرع من نمو الناتج المحلي الإجمالي.
وسيولّد انهيار الصندوق الوطني للتقاعد، إن حدث، أزمة اجتماعية لا حصر لها إن لم يتم التعامل بجدية مع هذا المشكل، فالظروف الأمنية الصعبة التي تمرّ بها الجزائر تتطلب أخذ الحيطة والحذر في اتخاذ إجراءات تمسّ هذا الصندوق الحسّاس، وخاصة في ظل تهديد التكتلات النقابية بتصعيد الحركات الاحتجاجية.
الوضعية المالية المتأزمة التي وصل إليها الصندوق الوطني للتقاعد ليست وليدة اليوم، بل ترجع إلى سنوات عديدة، وما هي إلا حصيلة السلوك الريعيّ الذي تمَّ انتهاجه خلال عقود ونتيجة طبيعية لسوء استغلال وعدم استثمار الفوائض المالية السابقة التي اكتسبها الصندوق في السنوات الماضية.
فمثلاً حقّق مجلس استثمار خطة معاشات التقاعد في كندا مكاسب مالية هائلة نظراً لاستثماراته المتنوّعة في عددٍ من دول العالم، وبذلك فهو مستقل عن الريع، على عكس ما يلاحظ في الجزائر، بالإضافة إلى أنّه يوفر للمتقاعدين معاشاً محترماً.
ولا تبدو الأزمة المالية العميقة والمتجذرة التي يتخبَّط فيها الصندوق الوطني للتقاعد في الجزائر مرتبطة بحلّ واحد دون غيره، ولن تجد طريقها نحو الحل ما لم يصبح الاقتصاد الجزائري اقتصاداً منتجاً، وما لم يتم القضاء على الاقتصاد غير الرسمي الذي يمتصّ عدداً كبيراً من العمال الذين لا يساهمون بدورهم في دفع معاشات المتقاعدين.
كذلك يعتبر انخفاض أسعار النفط تهديداً مباشراً لاستمرارية صناديق التقاعد، لذلك فإن هناك حاجة ماسة إلى فكّ تبعية الاقتصاد الجزائري للريع النفطي وتنويعه بشكل أكبر بغية توفير مزيد من مناصب الشغل التي بإمكانها تقديم مساهمة فعّالة للصندوق الوطني للتقاعد.
كذلك ينبغي على الحكومة اتّخاذ إجراءات صارمة إزاء المتهربين من الضرائب، وتطبيق نظام ضريبي فعّال يُمكِّن من جمع مزيد من الإيرادات وتحقيق العدالة الاجتماعية في آن واحد وبعيداً عن إجراءات التحصيل الضريبي السابقة التي عفا عليها الزمن.
علاوة على ذلك، يجب على الحكومة البحث عن نموذج جديد للنمو الذي يُولِّد القيمة ويتشبَّث بواقع الاقتصاد، بالإضافة إلى الابتعاد عن إعادة تطبيق النماذج المستنسخة عن تجارب دول أخرى والتي لا تتلاءم مع طبيعة الاقتصاد.
وأكَّد ملوكة تدهور الوضعية المالية لصندوق التقاعد في السنوات الأخيرة، نتيجة الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالاقتصاد الوطني من جهة وبسبب تقاعد عدد كبير من العمال قبل السن القانونية للتقاعد من جهة أخرى، إذ يعاني الصندوق من عجز مالي كبير.
فبعدما بلغت نفقات صندوق التقاعد 600 مليار دينار جزائري (5.09 مليارات دولار) وإيراداته 650 مليار دينار (5.51 مليارات دولار) سنة 2012، من المتوقع أن تصل النفقات إلى 1200 مليار دينار (10.18 مليارات دولار) وإيراداته إلى 700 مليار دينار (5.94 مليارات دولار) مع نهاية سنة 2018.
ونظراً لهذا الوضع الحرج، قدَّمت الحكومة دعماً كبيراً لصندوق التقاعد في سنة 2018 وخصَّصت له مساهمة قدّرت بـ 15 بالمائة من النفقات.
وأعلنت وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي في 8 مايو/ أيار 2018 عن رفع معاشات التقاعد بمعدل يتراوح من 0.5 إلى 5%، وذلك بالاعتماد على مبلغ المعاش، وبلغت تكلفة العملية 22 مليار دينار، أي ما يُعادل 186.5 مليون دولار، ويكمن الاختلاف هذه السنة في أن الزيادات جاءت لمصلحة ذوي المعاشات الضعيفة، عكس ما طُبّق سابقاً من زيادات موحَّدة لكل المعاشات.
وهذا الدعم ما هو إلا حلّ ظرفي ولن يخلّص الصندوق الوطني للتقاعد من مشكلاته المزمنة، لا سيَّما عند الأخذ بعين الاعتبار التركيبة الديموغرافية في البلاد، والتبعية الكبيرة للريع النفطي الذي يُعد المغذي الرئيسي للصندوق، ولن تستمرّ تلك الحلول المُسَكِّنة مع انهيار أسعار النفط في المستقبل، والتي تعد حلولاً ترقيعية من الدرجة الأولى وتأجيلاً للأزمة وترحيلاً لها إلى السنوات العجاف المقبلة ولن يجدي الحوار الاجتماعي نفعاً آنذاك.
ويعاني الصندوق الوطني للتقاعد في الجزائر من صعوبة كبيرة في دفع معاشات المتقاعدين، لا سيَّما في ظل شحّ موارده، وللمرة الأولى في تاريخ الصندوق، خصَّصت الحكومة، بموجب قانون المالية لسنة 2018، ضريبة تقدّر بنسبة 1% على المنتجات المستوردة التي يعاد بيعها لفائدة هذا الصندوق والذي سيرى ثمار ذلك القرار خلال الأشهر المقبلة، وإن كان ذلك غير كافٍ، من جهة نتيجة للتدفّق الهائل للعمال الذين بلغوا سنّ التقاعد القانونية والتقاعد المبكر لعمال آخرين منذ سنة 1995، ومن جهة أخرى نتيجة لقلة عدد الموظفين المساهمين في هذا الصندوق.
ولن يتمكَّن الصندوق الوطني للتقاعد في الجزائر من التعامل مع الزيادة الكبيرة في عدد العمال الذين سيتقاعدون مستقبلاً وابتداءً من سنة 2020 إذا ظلّت معدلات النمو الاقتصادي ومساهمات الموظفين والمساهمات الحكومية الأخرى عند مستوياتها الحالية، وإذا بقي نمو الإنفاق في هذا الصندوق أسرع من نمو الناتج المحلي الإجمالي.
وبذلك سيتم اللجوء إلى رفع سن التقاعد، وهذا ما لا يصبّ في مصلحة كثيرين، وهذه الأزمة المالية التي تخنق الصندوق والتي تمدّدت جذورها طوال عقود مضت أعمق من أن تحلّ بمجرد رفع سن الإحالة على التقاعد.
وسيولّد انهيار الصندوق الوطني للتقاعد، إن حدث، أزمة اجتماعية لا حصر لها إن لم يتم التعامل بجدية مع هذا المشكل، فالظروف الأمنية الصعبة التي تمرّ بها الجزائر تتطلب أخذ الحيطة والحذر في اتخاذ إجراءات تمسّ هذا الصندوق الحسّاس، وخاصة في ظل تهديد التكتلات النقابية بتصعيد الحركات الاحتجاجية.
الوضعية المالية المتأزمة التي وصل إليها الصندوق الوطني للتقاعد ليست وليدة اليوم، بل ترجع إلى سنوات عديدة، وما هي إلا حصيلة السلوك الريعيّ الذي تمَّ انتهاجه خلال عقود ونتيجة طبيعية لسوء استغلال وعدم استثمار الفوائض المالية السابقة التي اكتسبها الصندوق في السنوات الماضية.
فمثلاً حقّق مجلس استثمار خطة معاشات التقاعد في كندا مكاسب مالية هائلة نظراً لاستثماراته المتنوّعة في عددٍ من دول العالم، وبذلك فهو مستقل عن الريع، على عكس ما يلاحظ في الجزائر، بالإضافة إلى أنّه يوفر للمتقاعدين معاشاً محترماً.
ولا تبدو الأزمة المالية العميقة والمتجذرة التي يتخبَّط فيها الصندوق الوطني للتقاعد في الجزائر مرتبطة بحلّ واحد دون غيره، ولن تجد طريقها نحو الحل ما لم يصبح الاقتصاد الجزائري اقتصاداً منتجاً، وما لم يتم القضاء على الاقتصاد غير الرسمي الذي يمتصّ عدداً كبيراً من العمال الذين لا يساهمون بدورهم في دفع معاشات المتقاعدين.
كذلك يعتبر انخفاض أسعار النفط تهديداً مباشراً لاستمرارية صناديق التقاعد، لذلك فإن هناك حاجة ماسة إلى فكّ تبعية الاقتصاد الجزائري للريع النفطي وتنويعه بشكل أكبر بغية توفير مزيد من مناصب الشغل التي بإمكانها تقديم مساهمة فعّالة للصندوق الوطني للتقاعد.
كذلك ينبغي على الحكومة اتّخاذ إجراءات صارمة إزاء المتهربين من الضرائب، وتطبيق نظام ضريبي فعّال يُمكِّن من جمع مزيد من الإيرادات وتحقيق العدالة الاجتماعية في آن واحد وبعيداً عن إجراءات التحصيل الضريبي السابقة التي عفا عليها الزمن.
علاوة على ذلك، يجب على الحكومة البحث عن نموذج جديد للنمو الذي يُولِّد القيمة ويتشبَّث بواقع الاقتصاد، بالإضافة إلى الابتعاد عن إعادة تطبيق النماذج المستنسخة عن تجارب دول أخرى والتي لا تتلاءم مع طبيعة الاقتصاد.