هل يصلح "البرابرة" ما أفسدوه؟

20 مارس 2019
+ الخط -
تنتقل "المسألة العراقية"، في هذه الأيام، على نحو لافت من مؤتمر في ميشيغن إلى مؤتمر في واشنطن، وإلى مؤتمر ثالث في واشنطن أيضا، ومن مؤتمر في اسطنبول إلى مؤتمر في عمّان. وفي انتقالاتها، ثمّة نشاطات محمومة لأحزاب وفعاليات وشخصيات عراقية معارضة، تقيم خارج البلاد، وتطالب واشنطن، علنا أو على استحياء، بالعمل على تغيير حكام بغداد، وإنهاء العملية السياسية الماثلة التي هندسها الأميركيون أنفسهم، وتشكيل "حكومة طوارئ أو إنقاذ"، تنهي الهيمنة الإيرانية على العراق، وتؤسس "لعملية شاملة للانتقال الديمقراطي.. وصياغة دستور وطني" إلى آخر مفردات بيان مؤتمر واشنطن التي نعثر على مرادفاتها، أو ما يشبهها، في مقرّرات مؤتمر اسطنبول، وكذا في "ميثاق وطني عراقي" أعلن في عمان، وقبلها مؤتمرات عديدة خلصت كلها إلى المطالب نفسها، ووصلت إلى المآلات نفسها، وإذا قدر الله، فاننا سنغرق في موجة أو موجات أخرى، لمؤتمرات مماثلة في المستقبل.
وعلى الرغم من أن المؤتمرين في كل هذه الفعاليات يتحدثون عن وحدة قوى المعارضة العراقية، وأن هذه الوحدة هي شرط للتغيير، إلا أن اللافت أن الانقسامات بين المؤتمرين أطلت برؤوسها في تلك المؤتمرات التي يشير تعدّدها وتبادل الاتهامات والشتائم بين الحضور، حتى داخل المؤتمر الواحد، على نحو ما عرضته وسائل التواصل من صور وتغريدات، وما نقلته بياناتٌ لاحقا لفعاليات وشخصيات إلى ظاهرة سلبية، أقل ما يقال عنها إنها لا تبشر بالخير، على صعيد ما تهدف إليه، هذه الظاهرة لم يتمكّن المعارضون من تجاوزها، ربما لافتقارهم إلى النظرة الواقعية والخبرة، وعجزهم عن قراءة ما يحيط بهم.
أكثر من ذلك، إننا لم نسمع عن شخصية عراقية واحدة قدمت من داخل البلاد، وشاركت في هذه النشاطات، أو عرضت رؤيتها لمعاناتها في الداخل. والأخطر من هذا كله أن المؤتمرين، وعلى الرغم من أن معظمهم عاش تجربة الغزو والاحتلال الأميركي، وما نتج عنه من خسارات في البشر والحجر، وما عانته البلاد من انهياراتٍ وكوارث، فإنهم ما زالوا يضعون ثقتهم في الولايات المتحدة، وفي الرئيس دونالد ترامب بالذات، بأمل أن تتطوّع، لوجه الله، لتحريرهم من الهيمنة الإيرانية، وإنقاذهم من الشرور التي نتجت عن الغزو والاحتلال، وأن تتكرّم بنقل كراسي السلطة إليهم على أطباق من ذهب، كما فعلت مع معارضي نظام صدام حسين. ويبدو أنهم لم يدركوا بعد أن أميركا ليست جمعية خيرية، تساعد من أخنى عليهم الدهر في هذا البلد أو ذاك، فترسل جنودها كي تجبر خواطرهم، وتمنحهم صكوك الغفران، وقد أصمّوا آذانهم عن سماع مقولة ترامب "التاريخية" التي كرّرها، بالفم الملآن، ومفادها بأن كل شيء بثمن، وأن الذين يطلبون من واشنطن حمايتهم وضمان السلطة لهم عليهم أن يدفعوا الثمن، وقد دفعه بعض من نعرف من الحكام العرب اليوم!
وإذا كنا منصفين في تقييمنا استنجادهم بالولايات المتحدة، نرى في ذلك تعبيرا عن عجزهم، وعدم قدرتهم على القيام بفعل جدي وحقيقي، باتجاه التغيير المطلوب، ومن يتمعّن في البيانات التي صدرت عنهم يلمح نبرة اليأس، والاستسلام لما يرونه أمرا واقعا، يفرض عليهم التراجع عما كانوا قد رفعوه زمانا مضى، من شعاراتٍ في مقارعة الامبريالية الأميركية، ومقاومة مشاريعها. إنهم بذلك يعيدوننا إلى حكاية "انتظار البرابرة" الذين لم يعودوا عناصر متخيلة، كما رأى كويتزي الأفريقي، ومن قبله كافافي اليوناني. برابرة اليوم موجودون في العراق بالفعل، ولا حاجة للاستنجاد بهم، أو إعلان الولاء لهم، بعدما أتقنوا فعلتهم في خراب العراق وانهياره، والذي مثل بداية خراب العالم العربي وانهياره كله. ويصبح مستغربا أن تنبري أية جهةٍ أو فعالية أو شخصية وطنية عراقية، لتدعو الأميركيين إلى التدخل، أو إبقاء قواتهم في البلاد، بدلا من أن تطلب منهم الانسحاب الكامل والعاجل، حيث تكون بذلك، إن فعلته، قد قطعت الطريق على رجال إيران الذين يزعمون أن تدخلات إيران، ونشاط المليشيات المرتبطة بها، هو لردع الأميركيين، وإفشال مشاريعهم في العراق والمنطقة.
وحيث إننا لا ننسى للأميركيين خطيئتهم الكبرى تلك في دمار العراق وأهله، فكيف يريدوننا أن نصدق أنهم سيعملون على إصلاح الحال وتغيير المآل، وعلى معاونتنا في قيام تحول جذري، يضمن الخلاص من الهيمنة الإيرانية، ويحقق ما نطمح له ونتطلع إليه؟
583FA63D-7FE6-4F72-ACDD-59AE85C682EB
عبد اللطيف السعدون

كاتب عراقي، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة "المثقف العربي" وعمل مدرسا في كلية الاعلام، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية. صدر من ترجمته كتاب "مذكرات أمريكيتين في مضارب شمر"