هل دم عرفات على أصابع دحلان؟

06 يوليو 2014
+ الخط -


صدرت، أخيراً، متابعة صحفية، نشرتها صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، توفّر الإمتاع والمِران لضابط بوليس متدرب، أو لهواة فكّ شيفرات الجرائم المتجمدة، أي التي مرَّت عليها سنوات من دون سبر غور جنباتها. تصدت لموضوع مقتل القائد الفلسطيني ياسر عرفات، أو محمد رؤوف القدوة، كما تشير إلى ذلك ملفاته الطبية، إذ تعتري هذا الموت حكايا وآراء وشهادات عديدة، والتي إن تباينت، تشير إلى حقيقة واحدة ووحيدة، زبدتها أن عرفات كان قد مات مسموماً، أي مقتولاً، ولم يمت بشكل طبيعي، ناجم عن مرض اعتيادي.

كثرت تصريحات القادة الفتحاويين في الشأن، وطالعتنا تصريحات عدة لقيادات في السلطة الفلسطينية بشأن الحادثة، منهم من شعر بمسؤولية في الكشف عما لديه، أو ما يعلمه، وبدأ بالحديث، هنا وهناك، إلى أن تم إسكات هذه الأصوات وعزلها، بل وإسقاط حضور أصحابها بالتقادم، تماماً كما حدث مع رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية، فاروق القدومي، والذي أصبح عزله ضرورة ملازمة لفرض العزل النهائي على كل ما تمثله منظمة التحرير.

لكن، في حالة القدومي، جاء اتجاه العزل مضاعفاً، لسببين، أولاَ موقعه في منظمة التحرير، ورمزيته النابعة من أنه أحد الحراس العريقين لتراث المنظمة النضالي، وميثاقها الوطني، فهو ممن رفضوا تشكيل ما يسمى السلطة الفلسطينية، تبعاً لموقفه الرافض اتفاقيات أوسلو، والعودة إلى فلسطين تحت ظلال بنادق الـM-16 الأميركية التي يحملها جنود الاحتلال. أما السبب الثاني الذي عجل في إعلان موت القدومي السياسي، ما لدى الرجل من معلومات ومعرفة حول وقائع اغتيال صديق عمره، الراحل ياسر عرفات.

ومعلوم أن القدومي صرح، غير مرة، عما لديه من معلومات وأدلة تثبت الجرم على المتهمين، وتسرب عبره محضر للقاء جمع محمود عباس، وهو الرئيس الفلسطيني الحالي، ومحمد دحلان، وهو منشق عن مسيرة عباس الآن، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق المجرم، أرييل شارون، ورابعهم شاؤول موفاز، وزير أركان الحرب الإسرائيلي الأسبق. وكان اللقاء ضمن غطاء المظلة الأميركية، وبرعاية رئيس الوفد الأميركي، وليم بيرنز، وعقد في مارس/آذار 2004، أي قبل شهور من مقتل عرفات، ويثبت محضر اللقاء المسرب أن الحديث دار، وقتها، بشأن الآلية الفضلى للتخلص من عرفات، ومن قيادات في الفصائل الفلسطينية، في مقدمتهم القائد الحمساوي، عبد العزيز الرنتيسي، وآخرون بالطبع.

جاءت تلك الاغتيالات لتنفيذ ما كان متفقاً عليه بين المجتمعين، إذ كان عباس ودحلان حلفاً واحداً، في ذلك الوقت، في التضاد مع عرفات. على عكس الحال اليوم، فعباس أصبح يُجَرِم شريكه الذي حماه بأذرع شبيحته في غزة، عندما كان عرفات قد أطلق عليه وصف كرزاي فلسطين، وهدّده بدفع أبناء فتح لسحله والتمثيل بجثمانه بتهمة الخيانة، فالتجأ إلى دحلان آنذاك.

لكن الودّ بين الحليفين لم يدم، فأصبح عباس يحاكم دحلان، اليوم، وأصدرت محاكم السلطة في رام الله حكماً غيابياً يقضي بالحبس سنتين لدحلان الذي يبني، بمساعدة أطراف عربية، منظومة مافيا خاصة به، بكل ما تحمل الكلمة من معنى، في كل مدن الضفة الغربية وقطاع غزة، قوامها فتحاويون منشقون وباحثون عن فرص أفضل، يوفرها لهم دحلان، بتشغيلهم في شركات وهمية، ومعارض للسيارات في كل من رام الله وبيت لحم، يتكدس الغبار على معروضاتها، وهذا ما يدفع أكثر إلى الاقتناع بأنها مجرد أمكنة للتغطية على الأموال التي يتلقاها هؤلاء من دحلان، لقاء تعليمات ينفذونها، خصوصاً أن سلطة النقد الفلسطينية، المدارة من جهاد الوزير، نجل الراحل خليل الوزير، تتشدد كثيراً، وتعقد إجراءات تحويل الأموال من الخارج إلى داخل الضفة الغربية.

معروف عن صاحب مقولة "سنرى من يستغل الآخر"، و"قناصة مش قناصة، خلي حماس تطخني"، استخدامه أساليب بناء عصابات باطنية، ولديه خبرته وعلاقاته الوطيدة مع أجهزة المخابرات الإسرائيلية والأميركية، مع تذكر علاقته المتينة بمخابرات الرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، والتي عادت لتنشط وتتطور بعد انقلاب عبد الفتاح السيسي على الرئيس المنتخب ديموقراطياً، محمد مرسي.

يبقى جزء شاسع من حكاية اغتيال قائد الثورة الفلسطينية المعاصرة، مخفياً، أو مستتراً لدى اللواء توفيق الطيراوي، وهو من الشخصيات الفتحاوية التي عاصرت فتح في كل مراحلها، وهو، أيضاً، ممن كانوا أصدقاءً للفتى الأسمر، دحلان، لكنهم أنكروه ونبذوه، عند خلافه مع عباس. فهو، أي الطيراوي، على اطلاع بأعمال لجان التحقيق المختلفة في مقتل الزعيم الفلسطيني، وعلى اتصال مع أرملته السيدة سهى عرفات، وأطبائه في فرنسا، بالإضافة إلى أنه كان على اتصال بطبيبه (الراحل) أشرف الكردي، الذي أكد، في أكثر من لقاء صحفي، أن مريضه مات مسموماً، ولا خيار آخر. ويبقى أن تكشف السلطة الفلسطينية عن أسماء القتلة، وأصحاب المصلحة في تصفيته، والسماع لأرملته، وللقدومي، ولحراسه السابقين، فخبايا موت عرفات ليست من شأن السلطة الفلسطينية وحدها، بل هي شأن فلسطيني عام في فلسطين وفي شتات الفلسطينيين.