حنين زعبي.. صلابة امرأة عربية
شهدنا أخيراً حملة إعلامية، وحتى ديبلوماسية وبرلمانية إسرائيلية، طالت النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي، المناضلة حنين زعبي، على خلفية رد الصهاينة عليها، إثر إدلائها بتصريحات متعلقة بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة محتليه. إذ لم تأت تصريحاتها مفاجئة، بل متوقع أن تصدر مواقف من هذا النوع عن قائد/ة فلسطيني/ة، على عكس ما يترامى الى الأسماع، على لسان صنف آخر من القيادة الفلسطينية.
ما يشد الانتباه، في الخطابات والتصريحات الوطنية، ذات النكهة العروبية التي تصدر عن زعبي أنها تتمتع بالحفاظ على الوصل بين المواقف، وتخلو من التذبذب، خصوصاً منذ بدء الثورات العربية، أو الربيع العربي، فقد وقفت إلى جانب الشعوب العربية، واعتبرت تأييد قضايا التحرر والنضال السياسي الاجتماعي في الوطن العربي الكبير من أولويات التحرر في فلسطين. وأيضاً، هي لم تَحِد يوماً عن بوصلة المقاومة في فلسطين، على الرغم من حساسية وضعها، الناتجة عن وجودها داخل الكنيست الإسرائيلي، فليس من السهل، طبعاً، أن تقاوم التنين من داخل بركانه.
تحرص زعبي، دوماً، على إيضاح آرائها في جدل متقن، ينهل من مواثيق القانون الدولي، وشرعة حقوق الإنسان، ويندمج مع الحقوق الوطنية الفلسطينية، بشكل لا يخفى على أحد، ولكن، يشكل نموذجاً في الاختراق الخطابي، فهو وطني فلسطيني، قومي عربي من جهة. ومن جهة أخرى، فيه ما يعزى إلى قواعد القانون الدولي، خصوصاً المواد المرتبطة بحق الشعوب في تقرير مصيرها بحرية وكرامة، بالإضافة إلى الحقوق الفلسطينية التي لها قرارات دولية مختصة فيها، تسندها ضمن المنطق المتعارف عليه في أروقة الأمم المتحدة، بشكل أساسي حق العودة للاجئين والمهجرين الفلسطينيين إلى أماكنهم الأصلية.
جانب آخر، يشكل عامل قوة في أداء حنين زعبي السياسي، وفي مواقفها الوطنية، هو أن هذه المواقف تصدر عن امرأة عربية، كسرت قيود المجتمع الأبوي، وأسهمت، مع نساء عربيات أخريات، في تشكيل صورة جديدة للمرأة العربية، صورة تعطيها المتسع لتكون قائداً سياسياً، ومنبعاً للآراء الوطنية، ورأس حربة في مقاومة الاستعمار ورفضه.
لكن تجربتها أكثر تعقيداً من تجربة برلمانيات وناشطات ومناضلات عربيات أخريات، خصوصاً أنها تعيش في الداخل الفلسطيني، وفق حالة استعمار معقدة وشديدة التركيب، وتناضل سياسياً وتصدح بصوتها الفلسطيني من داخل المؤسسة الصهيونية، رغماً عن إرادة العنصرية الصهيونية، وتحاول تثبيت الأقدام لهذا الاختراق يومياً، محافظةً على ما حققته مسيرة أناس سبقوها في هذا الشكل النضالي، من دون أن تتمكن منهم المؤسسة الصهيونية، ولا حلفاؤها ممن يمتهنون الحملات الإعلامية المغرضة ضد مناضلي الشعب الفلسطيني.
إضافة إلى ذلك، إنها تحاول أن تبقي على كل ما يتطلبه الحذر، كيلا تفسح المجال أمام الأجهزة المخابراتية والأمنية الصهيونية، للإيقاع بها، وتلفيق ملفات كيدية ضدها، بحجة الأمن، وبخلفية سياسية قومية بحتة.
لا يكفي حنين زعبي أنها تصادمت مع ما هو بالٍ من قيم ذكورية، وأثبتت جدارتها امرأة عربية، عبر تحملها مسؤولية موقعها، واستحقاقها إياه بجدارة، لكن، أيضاً، يحصل هذا كله في وجه آلة استعمارية شديدة المكر والبطش. ولم يمنعها هذا من أن تواجه المحاولات الحثيثة لإسكاتها، وإلغاء الصوت العربي الفلسطيني، الصادر من داخل الخط الأخضر، ولهذا نجد محاولات الكنيست، الآن، لسن قوانين ترتبط باسمها، يكون هدفها إسكات صوت الحق الفلسطيني، ورسم صورة مشوهة للعرب الموجودين داخل الخط الأخضر، وإبعادهم عن الأجندات الوطنية.
هنيئا لك حنين زعبي، سفيرة للمرأة العربية المقاومة في الداخل الفلسطيني، وهنيئاً لك على معاداة الدولة، وهنيئاً للمرأة العربية بك.