هناك طريقتان عادة للتعامل مع مرض ما قبل وصوله المتوقع. الأولى معروفة جداً ومعتمدة وتحظى بالكثير من الرعاية الإعلامية والإعلانية التي تثير أحياناً الشكوك في درجة الحشد لها. لقاحات واحتياطات دوائية ووقاية. لقاحات للملاريا والسلّ والأمراض الحديثة، أو المستحدثة، كـ"إيبولا" و"كورونا" وغرائب أشكال الإنفلونزا. وحملات توعية خاصة بها وبغيرها من الأمراض: لا تلمس... لا تستخدم... لا تأكل... لا تشرب... استعمل... تجنّب... زر الطبيب المتخصص، وغيرها الكثير من الإرشادات.
يستغرب المرء حقيقة أنّه حتى في الدول التي تطبق أعلى معايير الوقاية والتوعية فإنّ الأمراض تنتشر. أبرز المعلومات ما يتعلق بسرطان الثدي في غرب أوروبا وشمالها، فأرقام الإصابات في تصاعد عاماً بعد عام، وتصل إلى 95 في المائة ألف بين النساء.
إذاً، هل تنفع الوقاية؟ البعض يقول إنّها مثل عدمها، بل إنّ المرض نفسه هو المتحكم الوحيد بالمسألة ولا قدرة لنا على ردّه "إلّا بالحظ". كذلك، هناك من يؤمن بالمؤامرة التي تقول إنّ الأمراض والأوبئة اختراعات بشرية تلجأ إليها جهات ما لأغراض معينة. وبالتالي، لا مجال للوقوف في وجهها، فتلك الجهات تسيطر على عالمنا بالكامل، وإذا نجونا اليوم فلن ننجو غداً. فلنتوقف عن خداع أنفسنا!
هنا ننتقل إلى الطريقة الثانية للتعامل مع المرض المتوقع والمحيط بنا من كلّ جانب أحياناً كمن يتربص وينتظرنا عند مفترق ما. الطريقة ببساطة تجاهله. أساساً فإنّ أغلبية البشر لا تملك القدرة على مقاومة المرض، ولا تتمكن حياله من فعل شيء أبعد من الاستسلام له والانصياع إلى أوامره. فإذا أصيب أحدهم سعى إلى العلاج، وإذا لم يُصَب تابع حياته متجاهلاً.
مجرد تجاهل احتمالات المرض يفي بالغرض عادة، خصوصاً إذا كنت فقيراً لا تملك ترف الوسواس بكلفته المادية الكبيرة التي ترتبط بأعلى معايير الغذاء والنظافة الشخصية والنظافة المنزلية، مع علمك أنّ الدولة التي تعيش فيها لا تعترف بحقوقك كإنسان إلّا في بعض الجوانب.
إذا كنت على هذه الحال، وأكلت سندويش شاورما بدولار واحد فقط من شارع شاتيلا الشعبي، قرب بيروت، مثلاً، فقد يكون من الصعب عليك أن تهضمه في المرة الأولى، وربما تتسمم تسمّماً خفيفاً. لكنّك في مرات مقبلة، لا تتيح لك الأكل إلّا من المكان نفسه، ستعتاد الأمر وستجد مذاقه جيداً وستعتبر نزوله في المعدة برداً وسلاماً.
هو التعايش مع الإجبار على عيش نمط حياة محدد لك ومرسوم بدقة في الدورة الرأسمالية الكاملة التي تستخلص منك قيمتك الجوهرية كإنسان وترميها عند أول مستوعب للنفايات. فهل حان وقت الـ"لا"؟