هل تمهد إسرائيل لاستعادة جثة الجاسوس كوهين بالإفراج عن السوريين؟

28 ابريل 2019
تأتي محاولات الروس لدعم نتنياهو (Getty)
+ الخط -

فاجأ إعلان إسرائيل، أمس السبت، عن قرارها إطلاق سراح معتقلَين سوريَين لديها، كـ"بادرة حسن نيّة" رداً على دور نظام بشار الأسد في البحث والعثور وإعادة رفات الجندي الإسرائيلي زخاريا باومل قبل شهر تقريباً، حتى وزراء في حكومة بنيامين نتنياهو، قالوا إنهم اطلعوا على الخبر من وسائل الإعلام.

ويتضح من الروايات المتشابهة والمتواترة التي قدّمتها وسائل إعلام الاحتلال الإسرائيلي منذ أن تمّ الإعلان عن قرار الإفراج، الذي لم يُنفذ بعد، أن هذه الخطوة لم يكن متفقاً عليها بين الروس والإسرائيليين عندما تمت إعادة رفات باومل إلى تل أبيب، بل تمت بعدما تقدّم الروس قبل نحو أسبوعين بطلبٍ لتقديم "بادرة حسن نيّة" تجاه نظام بشار الأسد.

وذكرت قناة التلفزة الإسرائيلية الرسمية "كان" أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تقدّم بهذا الطلب لنتنياهو، لإدراك الروس حجم الحرج الذي أُصيب به نظام الأسد أمام الرأي العام السوري وأمام حلفائه الإقليميين، بعدما تبيّن دوره في الكشف عن رفات باومل وإعادته لإسرائيل.

ويمكن الافتراض أن ما فاقم شعور نظام الأسد بالحرج حقيقة أن بوتين والمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي روني ملنيس قد أكّدا بشكلٍ لا يقبل التأويل الدور الحاسم لقوات النظام السوري في إعادة الرفات.

ومن الواضح أن تكلفة "بادرة حسن النية" التي قدّمتها إسرائيل لنظام الأسد ضئيلة جداً، مقارنةً بالأثمان التي دفعها الاحتلال في الماضي، مقابل استعادة جثث جنوده، فيما أكّدت إسرائيل أن أحد المعتقلين السوريين اللذين تقرر الإفراج عنهما هو تاجر مخدرات اعتقل بسبب عمله بالتهريب عبر الحدود، وكان من المفترض أن يطلق سراحه بعد بضعة أشهر، في حين أن المعتقل الثاني المتهم بتنفيذ عملية تسلل ومحاولة مهاجمة موقع، كان سيطلق سراحه في عام 2023.

واللافت أن تأكيد الروس والإسرائيليين قرار الإفراج عن المعتقلين كردٍ على دور نظام الأسد في إعادة رفات باومل، ينسف الرواية التي تشبّثت بها وسائل الإعلام الرسمية للنظام بعيد الكشف عن إعادة الرفات، إذ زعمت أن "تنظيمات إرهابية" هي من تعاونت مع جهاز "الموساد" في الكشف عن الرفات وإعادته.

لكن هناك ما يدل على أن الإفراج عن المعتقلين السوريين ليس مرتبطاً فقط بمحاولة رفع الحرج عن نظام الأسد، بعدما تبيّن دوره في الكشف عن رفات باومل وإعادته، بل يأتي لتوفير بيئةٍ تسمح لهذا النظام بمواصلة القيام بدور رئيسي في البحث عن جثث بقية الجنود الإسرائيليين المفقودين، والذين يرجّح أنهم مدفونون داخل سورية.

فمنذ أن تم الكشف عن إعادة رفات باومل، حرص الروس على تأكيد التزامهم بالعمل على محاولة استعادة جثث كل الجنود الإسرائيليين المفقودين داخل سورية، وورد هذا الالتزام على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكبار المسؤولين في وزارتي الدفاع والخارجية الروسيتين، فضلاً عن أن إسرائيل عبّرت عن اطمئنانها في أكثر من مناسبة إلى متانة الالتزام الروسي بمواصلة البحث عن الجثث. فالإفراج عن المعتقلين السوريين تمّ عرضه، وكأنه جاء في سياق صفقةٍ غير مباشرة جرت بين إسرائيل ونظام الأسد، بشكل يسمح للأخير بالحرص على مساعدة الروس على الوفاء بتعهداتهم لتل أبيب في العمل على إعادة جثث بقية الجنود الإسرائيليين.

وكما كشف المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، فإن معظم الجهد العملي الذي أفضى إلى الكشف عن رفات باومل وإعادته قام به جنود النظام، ما يعني أن توفير بيئة تسمح بإقناع الأسد بمواصلة العمل من أجل استعادة بقية الجثث يكتسب أهمية كبيرة.

إلى جانب ذلك، فإن الإسرائيليين يراهنون بشكل كبير على استغلال نافذة الفرص التي تتيحها الأوضاع في سورية حالياً، لا سيما النفوذ الطاغي لروسيا هناك، في تهيئة الظروف لاستعادة جثة الجاسوس إيلي كوهين، الذي أعدم في سورية عام 1965، والذي ينظر إليه في إسرائيل كـ"بطلٍ قومي"، بسبب الخدمات الاستخبارية التي قدمها خلال فترة وجوده في سورية.

ونظراً لأن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن القبر الذي يضم رفات كوهين موجود في منطقة الساحل السوري، الذي يخضع بشكل كامل لسيطرة نظام الأسد، فإن الرهان على دور النظام كبيرٌ وحاسم، لا سيما أن شقيق كوهين قد كشف أخيراً أن محاولة كبيرة قام بها "الموساد" لاستعادة الجثة قد باءت بالفشل.

وإن كان لا أحد يشك في حرص بوتين على ضبط توقيت الكشف عن إعادة رفات باومل قبيل الانتخابات الإسرائيلية، بأنها محاولة روسية لمساعدة نتنياهو انتخابياً، فإنه من غير المستبعد أن يتم تحديد توقيت الكشف عن إعادة جثة أي جندي إسرائيلي آخر أو إعادة جثمان كوهين، ليسبق موعد بدء جلسات الاستماع التي سيعقدها لنتنياهو المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية أفيحاي مندلبليت، قبل اتخاذ قراره النهائي بتوجيه لوائح الاتهام في قضايا الفساد ضده.

المساهمون