مع بدء العد التنازلي لتسليم منظومة "إس 300" الروسية للدفاع الجوي التابع للنظام السوري، خلال الأسبوعين المقبلين، تتزايد في الصحافة الروسية وأوساط الخبراء العسكريين تساؤلات حول ما إذا كان نشر مثل هذه المنظومات المتطورة سيثني إسرائيل عن مواصلة غاراتها الجوية في سورية، وكيفية تعامل روسيا مع أي انتهاكات محتملة. وعلى الجهة الإسرائيلية، حذر المعلق العسكري الإسرائيلي، أمير بوحبوط، من توظيف الروس قدراتهم "الهائلة" في مجال الحروب الإلكترونية لإعاقة عمل سلاح الجو الإسرائيلي، متوقعاً أن تضطر إسرائيل لتغيير طريقة الاستهداف.
ويتوقع نائب مدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيا في موسكو، مكسيم شيبوفالينكو، استمرار الغارات الإسرائيلية على سورية، معتبراً أن واقعة إسقاط طائرة الاستطلاع "إيل 20" الأسبوع الماضي، وما ترتب عليها من تصعيد مع تل أبيب، جاءت نتيجة لانعدام رؤية روسية واضحة في المنطقة. ويقول شيبوفالينكو، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "من البديهي أن نشر إس 300 سيزيد من قيمة الرهان لجميع الأطراف. ومن المؤكد أن تل أبيب لن توقف حربها على حزب الله وإيران، لأنهما يشكلان تهديداً وجودياً لها، وتكمن المسألة في كيفية تنسيق ذلك مع روسيا".
من جهتها، ذكّرت صحيفة "إزفيستيا" الرسمية الروسية أن موسكو ظلت منذ بدء عمليتها العسكرية في سورية في عام 2015، بمنأى عن النزاع السوري الإسرائيلي ما دامت تركز تل أبيب على استهداف المواقع التابعة لإيران ومليشياتها، إلى أن وسّعت قائمة أهدافها لتشمل مواقع لا علاقة لها بالنشاط الإيراني، بما في ذلك الغارة في اللاذقية في 17 سبتمبر/أيلول الحالي. وفي مقال بعنوان "مظلة لبشار الأسد: بمَ تساعد إس 300 سورية؟"، توقعت الصحيفة أن "يتيح ربط قوات الدفاع الجوي السورية بنظام التبادل الفوري للمعلومات، تجنب نيران صديقة، والارتقاء بفاعلية التصدي للهجمات الإسرائيلية أو الطلعات المحتملة لقوات حلف شمال الأطلسي". واعتبر كاتب المقال أن "ما يجري يشبه الوضع في عام 1983، حين نفذ الاتحاد السوفييتي عملية القوقاز 2 ونقل مجموعة كبيرة من وسائل الدفاع الجوي إلى سورية"، مضيفاً أن "منظومات الدفاع الجوي تم تسليمها اسمياً لسورية مع بقائها تحت تحكم نقاط القيادة السوفييتية والوحدات المشتركة، ما أدى إلى زيادة فاعلية أدائها وتفاقم خسائر القوات الجوية الإسرائيلية والطيران الأميركي والفرنسي خلال طلعات 1983 و1984، ووقف الهجمات على الأراضي السورية في نهاية المطاف". وتابع أن "خضوع المنظومات الجديدة للدفاع الجوي للسوريين من وجهة النظر القانونية، مع التحكم فيها من قبل المستشارين العسكريين الروس، سيتيح زيادة فاعلية التصدي للهجمات الجوية من دون جر روسيا إلى النزاع بشكل مباشر، مثلما كان عليه حال الاتحاد السوفييتي في عام 1983".
بدورها، ذكرت صحيفة "كوميرسانت"، أول من أمس، أن روسيا سترسل إلى سورية أولاً كتيبتي "إس 300" خلال أسبوعين، لتأمين المواقع في الساحل السوري ومراقبة الحدود مع كل من إسرائيل والأردن ولبنان والعراق. ونقلت عن مصدر مطلع قوله "ستبدأ الإمدادات بما بين كتيبتين وأربع قابلة للارتفاع إلى ما بين ست وثماني عند الضرورة". واعتبر عقيد الاحتياط، فيكتور موراخوفسكي، أن مدة أسبوعين ستكون كافية لتغطية المجال الجوي للساحل السوري في حالة الاستعانة بمنظومات "إس 300" التي تؤدي فعلياً الخدمة في الجيش الروسي. وقال موراخوفسكي، لصحيفة "كوميرسانت"، "يجري استبدال المنظومات التي تؤدي الخدمة بإس 400 تدريجياً، فيتم تخزينها ويمكن نقلها إلى سورية على وجه السرعة". واعتبر نائب وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، أن "إس 300" ستجبر إسرائيل على القيام بـ"حسابات دقيقة" قبل شنها ضربات جديدة ضد بلاده. وقال المقداد، على هامش مشاركته في حفل استقبال في السفارة الصينية في دمشق أمس الأربعاء، "نحن نرحب بهذا الدعم وهو دعم دفاعي لسورية". وأضاف "أعتقد أن إسرائيل التي اعتادت أن تقوم بالكثير من الاعتداءات تحت ذرائع مختلفة ستقوم بحسابات دقيقة إذا فكرت بأن تعتدي مجدداً على سورية". وتابع إن "الصواريخ لن تذهب إلى أي مكان إلا إذا هوجمت (سورية). فليجرب الإسرائيليون، نحن سندافع عن أنفسنا كما فعلنا دائماً".
وتوقع بوحبوط أن تضطر إسرائيل لتغيير طريقة عملياتها في سورية، مشيراً إلى أنه بدلاً من قصف أهداف عبر طائرات تدخل المجال الجوي السوري من البحر، فإنه بالإمكان قصف هذه الأهداف بواسطة صواريخ أرض ـ أرض، لافتاً إلى أن ليبرمان متحمس لتبني هذا التوجه على الرغم من اعتراض هيئة أركان الجيش له. ونبّه إلى أن الغارة التي شنتها إسرائيل في محيط اللاذقية تعد حساسة بسبب وجود قاعدة حميميم، كما أن الغارات الإسرائيلية في سورية مست بمكانة بوتين في روسيا، ناهيك عن أنها أحرجته أمام السوريين والإيرانيين. من ناحيته قال المعلق أمير أورن إنه يمكن لإسرائيل مواصلة الغارات داخل سورية من دون المخاطرة بمواجهة مع روسيا، مشيراً إلى أن سلاح الجو يمكن أن يستخدم المجال الجوي الأردني خلال عمليات الاستهداف في سورية.