تواجه رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، هذا الأسبوع، اختباراً صعباً في البرلمان البريطاني الذي سيصوت على "مقترح بريكست" المثير للجدل الذي وضعته يوم الخميس الماضي وسمته "الورقة البيضاء" .
كما تواجه بريطانيا حتى في حال إجازة البرلمان البريطاني للخطة المقترحة، مفاوضات شاقة مع دول الاتحاد الأوروبي في وقت تهتز فيه "العلاقات الخاصة" مع أميركا التي كانت أهم داعم لبريطانيا في تقوية مركزها الأوروبي.
ودعت "خطة بريكست"، أو مقترح الخروج من الاتحاد الأوروبي، إلى انشاء "منطقة تجارة حرة مع أوروبا" بعد الخروج الرسمي من عضوية الاتحاد المقررة في مارس/ آذار المقبل.
كما تقترح الخطة كذلك قيام نظام جمركي مشترك مع الاتحاد الأوروبي. لكن الخطة تركت الباب مفتوحاً لمناقشة مستقبل الخدمات المالية و"جواز المرور التجاري لشركات حي المال البريطاني".
وتعتبر الحكومة أن الخطة ستتيح لبريطانيا المحافظة على تجارة البضائع مع الاتحاد الأوروبي، وتفادي إقامة مراكز تفتيش جمركي عند الحدود الأيرلندية، وإنهاء اختصاص محكمة العدل الأوروبية في بريطانيا.
وتأمل ماي في حال إجازة البرلمان للخطة الحصول على اتفاق منطقة تجارة حرة مع أوروبا، والتمتع باستقلالية في بناء فضاء تجاري مع دول خارج الاتحاد الأوروبي. وهو تصور مثالي إذا وافق عليه الاتحاد الأوروبي. ولكنْ منتقدو الخطة يرون أنها ستمنع بريطانيا من توقيع اتفاقات تجارية مستقلة مع دول غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أشار إلى هذه النقطة في اللقاء الذي أجراه مع صحيفة "ذا صن" البريطانية، قبل أن يتراجع ويمنح دعمه الكامل لخطة رئيسة الوزراء البريطانية بقوله في المؤتمر الصحافي يوم الجمعة، "مهما تفعلين في بريكست فهو جيد معي مادام أن بريطانيا ستوقع معنا اتفاقاً تجارياً بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي".
لكن، وحسب منتقدي الخطة البريطانية، فإن المشكلة التي ستواجه إنشاء شراكة تجارية مع أميركا، لن تكون عدم موافقة أميركا وإنما عدم موافقة دول الاتحاد الأوروبي.
خاصة في وقت تتوتر فيه العلاقات التجارية بين واشنطن وبروكسل على خلفية الحرب التجارية، حيث إن دول الاتحاد الأوروبي لا ترغب في منح بريطانيا فرصة إنشاء علاقات تجارية مستقلة مع واشنطن في ذات الوقت الذي تمنحها فيه اتفاق منطقة تجارة حرة، لأن ذلك سيعني تدفق الاستثمارات الأميركية إلى بريطانيا وإنعاش"حي المال".
ويذكر ان الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لبريطانيا، وأن 50% من التجارة البريطانية تتم مع دوله، وذلك حسب إحصائيات مصلحة التجارة البريطانية.
وكانت إحصائيات "يورو ستات" قد ذكرت يوم الجمعة، أن حوالى 315 مليار دولار من الاستثمارات الأميركية قد خرجت من أوروبا خلال العام الماضي. وحدث ذلك بسبب الضغط الذي يمارسه ترامب على الشركات الأميركية لإعادة أموالها إلى الوطن الأصلي، وكذلك بسبب الحوافز الضريبية التي تحصل عليها الشركات التي تعيد رأس مالها إلى أميركا.
من هذا المنطلق ترغب أوروبا، وحسب تصريحات صدرت في بروكسل، في حرمان بريطانيا من توقيع اتفاقات تجارية مستقلة، في حال الاتفاق على الخطة.
ولجأت رئيسة الوزراء ماي إلى تقديم خطة مرنة للخروج من الاتحاد الأوروبي في محاولة لإرضاء صقور دول الاتحاد الأوروبي. وكانت ماي قد حذرت من احتمال ألا "يكون هناك خروج من الاتحاد الأوروبي على الإطلاق" بسبب محاولات نواب تقويض خطتها.
في هذا الصدد، قالت ماي في صحيفة ميل أون صنداي "رسالتي للبلاد في نهاية هذا الأسبوع بسيطة، ألا وهي أن علينا التركيز بشكل ثابت على الجائزة. "إذا لم نفعل ذلك نخاطر بأن ينتهي بنا الأمر بألا يكون هناك خروج من الاتحاد الأوروبي على الإطلاق".
وكان وزيران كبيران في الحكومة البريطانية قد استقالا الأسبوع الماضي احتجاجاً على خطط ماي للتجارة مع الاتحاد الأوروبي بعد انسحاب بريطانيا من التكتل في مارس/آذار المقبل. وتعرضت خطتها بعد ذلك لانتقاد خلال مقابلة صحافية للرئيس الأميركي دونالد ترامب وهو موقف تراجع عنه خلال اجتماع مع ماي يوم الجمعة.
وكتبت ماي أيضا في "ميل أون صنداي" أن بريطانيا ستتخذ موقفاً متشدداً في جولة المفاوضات التالية مع الاتحاد الأوروبي.
وقالت إن "بعض الناس يسألون عما إذا كان اتفاق خروجنا من الاتحاد الأوروبي مجرد نقطة بداية لتراجعنا.. دعوني أكون واضحة. اتفاق خروجنا من الاتحاد الأوروبي ليس قائمة رغبات طويلة يستطيع المفاوضون الانتقاء منها والاختيار. إنها خطة كاملة بمجموعة من النتائج غير القابلة للتفاوض".
وكانت بريطانيا تأمل في بناء فضاء تجاري مستقل والحصول على اتفاق تجاري شبيه بالنموذج السويسري أو النرويجي مع دول الاتحاد الأوروبي. ولكن بروكسل اعترضت على ذلك بداية في التصريحات التي أدلى بها رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر.
ولا تبدو المفوضية مهتمة، ظاهرياً على الأقل، بالأزمة الداخلية للحكومة البريطانية والتي تظهر بوادرها بعد استقالة الوزير ديفيد ديفيس، حيث قال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، ماغاريتس شينا، "نحن نتطلع إلى تلقي الوثيقة البيضاء لدراستها".
وأكد شينا أن الجولة المقبلة من مفاوضات بريكست ستعقد في موعدها، مقللاً من احتمالات تأجيلها على خلفية استقالة وزير بريكست، ديفيس، الذي كان يقود المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي.