11 سبتمبر 2024
هل تفلت الجزائر من الفخ الغربي في ليبيا؟
ما زال الجزائريون، أو بعضهم على الأقل ممن شهد عهد الرئيس هواري بومدين، يتذكّرون قوله "عدم رضا فرنسا عنا معناه أننا نسير في الطريق الصحيح". هل بقي شيء قائم من هذا القول، أم أن العلاقات الجزائرية الفرنسية، والتي أخذت أبعاداً اقتصادية مهمة، خصوصاً في عهد الرئيس فرنسوا هولاند، قد أسّست لعلاقاتٍ جديدةٍ تقول عنها الجزائر "إنها مبنية على الثقة والمصلحة المتبادلة"، غير أن الحملة الإعلامية التي شنتها الصحافة الفرنسية، وفي مقدمتها جريدة "لوفيغارو" لم تمر مرور الكرام في الجزائر، بل استطاعت هذه الحملة إعادة طرح سؤال الثقة المفرطة التي يبديها الطرف الجزائري في علاقاته مع فرنسا، والتي تبدو أعقد من المصالح الاقتصادية، فتحت عنوان تصدّر صفحتها الأولى، في الرابع والعشرين من فبراير/ شباط الماضي، تساءلت "لوفيغارو": لماذا تخيف الجزائر أوروبا؟ قدمت فيه صورة سوداوية عن الوضع في الجزائر، عبر صفحات عدة، تماهى معها الكاتب الجزائري، بوعلام صنصال، المعروف بفرانكوفونيته المتطرّفة وتطبيعه مع إسرائيل، فحذر أوروبا، في حواره مع الصحيفة، من زحف مرتقب للجزائريين عليها، وتحدّث عن "سيناريو سوري محتمل في الجزائر".
وستكون للتحذير من انفلات أمني خطير في الجزائر تداعيات كبيرة على أوروبا، والذي أنذرت به الصحف الفرنسية، يطرح أسئلة عدة عن سبب هذه الحملة وتوقيتها والجدوى منها. جرّب الجزائريون، في الماضي وفي مناسبات عدة، ابتزاز الصحافة الفرنسية في أكثر من قضية، وفي أكثر من موقف، فما الجديد والعلاقات بين قصري الإليزيه والمرادية، يصفها الإثنان بالجيدة.
الحملة المتناسقة، والتي دشّنتها بقوة الصحافة الفرنسية، انضم إليها ساسة أوروبيون، حيث اعتبر الرئيس السابق للدبلوماسية الأوروبية، خافيير سولانا، أن الوضع في الجزائر "التي تعاني من عدم اليقين السياسي والاقتصادي" يدعو إلى القلق. وكتب، في مقاله "وعد وخطر في الجزائر" في الموقع الإلكتروني "بروجيكت سانديكيت"، أنه، بعد خمس سنوات من بداية ما يسمى الربيع العربي، "لم يول المجتمع الدولي اهتماماً يذكر لدول مثل الجزائر، والتي سيعود مصيرها مرة أخرى على رادار العالم". تضاف إلى ما كتبه سولانا نصيحة السلطات الأميركية رعاياها عدم السفر إلى الجزائر، بسبب ما وصفتها بـ "التهديدات المتنامية للأعمال الإرهابية والاختطاف في هذا البلد".
من يقرأ تمسّك الدبلوماسية الجزائرية بتحفّظها على المخطّط الغربي للتدخّل العسكري في ليبيا يعرف مربط الفرس، حيث لم تساهم زيارة كاتب الدولة المساعد المكلّف بالشؤون السياسية في الخارجية الأميركية، توماس شانون، الجزائر، في نهاية فبراير/ شباط لنقل المقاربة الغربية، لتنفيذ تدخّل عسكري، للقضاء على تنظيم داعش، وضرورة مساهمة دول المنطقة في العملية. لم تساهم في احتواء الخلافات بين واشنطن والجزائر بخصوص الملف الليبي، ففيما تدفع الأولى بمخاطر توسّع نفوذ التنظيم الإرهابي، وتنامي تهديداته لدول المنطقة وأوروبا، في حال التأخّر في تنظيم تدخّل عسكري، يقضي عليه في ليبيا، تدفع الجزائر باتجاه مراعاة التداعيات الإنسانية والأمنية على دول المنطقة، وإمكانية دخول ليبيا في فوضى كبيرة، إذا لم توفّق الحملة العسكرية، وبالتالي، تكرار سيناريو العراق في شمال أفريقيا. في الأثناء، تدخل روسيا على الخط، حيث يهرول وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، إلى الجزائر، لقطع الطريق على الغرب، والتذكير بأن سيناريو الموافقة الروسية على حملة "الناتو" لإسقاط القذافي لن يتكرّر في 2016، وأن الجزائر ستبقى البلد الأول في أفريقيا في شراء السلاح الروسي.
لعل في البوصلة الجزائرية التي تتجه نحو رفض التدخل العسكري في ليبيا، والذي عبّر عنه وزير خارجيتها، رمطان لعمامرة، في أكثر من مناسبة، ما يشي بأسباب الضغوط التي تمارسها فرنسا، وبعض الدول الأوروبية، بمعية الولايات المتحدة على الجزائر، في محاولة لثنيها عما تعتبره الأخيرة موقفاً مبدئياً، سارت عليه دبلوماسيتها منذ استقلال البلاد في 1962، فالتاريخ لم يسجل للجيش الجزائري أي تدخل خارج الحدود الوطنية، إلا في حربي 1967 و1973 ضد إسرائيل، ما يعتبره الجيش الجزائري وساماً له.
صحيح أن أغلب فروع القوات المسلحة في الجزائر في حالة تأهب قصوى، منذ أسابيع. وقال
مصدر أمني جزائري إن مستوى التأهب المعلن هو المستوى الثاني، وهو أقل من مستوى حالة الحرب بدرجة، لكن هذا الاستعداد يأتي، كما يؤكد دبلوماسيون جزائريون، للحفاظ على أمن الحدود، خصوصاً أن القرار اتخذ عقب الغارة الجوية الأميركية، في 18 فبراير/ شباط الماضي، على تنظيم الدولة في صبراته في ليبيا، وتزايد احتمالات وقوع عمليات إرهابية كبيرة، وهو ما عزّزته العملية العسكرية التي تمت، أخيراً، في بنقردان جنوبي تونس، وأدت إلى إنتاج حالةٍ من الخوف، يراد لها أن تمنع أي اعتراض عن السيناريوهات الغربية في ليبيا وفي المنطقة. ولكن، إذا كانت نظرية الأمن الجزائري، كما رسمها بومدين، إنه "من داكار إلى القاهرة، لا يجب أن يحدث شيء مهم من دون علم الجزائر أو تدبيرها أو مشاركتها"، فإن السؤال المطروح يكمن في إعادة قراءة سياسة "عدم التدخل" الذي ترفعها الجزائر، وتكييفها مع معطيات جيواستراتيجية، تختلف اختلافاً جوهرياً عما عرفته الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
كانت الجزائر حاضرةً، بدبلوماسيتها ومالها ومخابراتها، في مواقع كثيرة، وبذلك أثّرت على قضايا كثيرة، ودفعت دولاً أفريقية خصوصاً وفي العالم الثالث، إضافة إلى حركات تحرّر، باتجاه مصالحها وسياستها. كانت مشاركة السفارة الجزائرية لافتة في تقريب وجهات نظر اللبنانيين، تحضيرا لاتفاق الطائف، مثلاً، وأذكر أن دبلوماسياً جزائرياً مازحني بقوله أن الوسيط في الاتفاق، الأخضر الإبراهيمي، وجد الملفات جاهزة أمامه، قبل أن تطأ قدماه بيروت.
ينظر محللون جزائريون كثيرون إلى الأمر من زاوية النأي بالنفس عن مشكلات المنطقة، بل ويذهبون إلى سرد وقائع التسعينيات، وكيف أن الجزائر عانت بمفردها من ويلات الإرهاب، وأن عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى هو من سبيل الابتعاد عن "الربيع العربي"، شره وخيره. وإذا كانت هذه النظرة تبدو ساذجة في العلاقات الدولية، فهناك من ينظر من زاوية أن إطفاء النار عند جارك هو إطفاء لها عندك، أو استباق لعدم وصولها إلى بيتك أصلاً. وهو ما كان يمكن القيام به في ليبيا، لو تفطنت الدبلوماسية الجزائرية إلى فعل الاستباق الذي غاب عنها أيام وزير خارجيتها السابق، مراد مدلسي، فلقد فرطت الجزائر يومها في أوراق أساسية في الملف الليبي، وهي التي كانت تمتلك مفاتيح مهمة عبر علاقاتها بالقبائل وأبناء ليبيا، وكان في الوسع استغلالها لاحقاً لتهدئة النفوس وجبر الخواطر وإصلاح ذات البين بين الإخوة، حفاظا على وحدة ليبيا، وصونا لها من التشرذم، ومن هيمنة عناصر مسلحة وإرهابية على مناطق عدة، وتهديدها دول الجوار والمنطقة.
ولعل في تغريدة الفنانة التونسية، لطيفة العرفاوي، وطلبت فيها من الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، دعم بلادها في مواجهة الإرهاب، ما يحمل معنى اتقاء وصول النار إلى البيت، خصوصاً أن عبد القادر النجدي، الذي وُصف بأنه "الأمير المفوّض لإدارة الولايات الليبية" لتنظيم داعش، توعّد دولَ الجوار بأنها "لن تستطيع الدفاع عن نفسها" في مواجهة المتشدّدين. وهي رسالة إلى تونس والجزائر والنيجر وبقية دول الساحل. صحيح أن التنسيق الأمني بين البلدين أصبح متوفراً. ولكن، هل يعتبر ذلك كافياً في صد هجمات إرهابية، لا تبتعد عن حدود البلدين، إلا بعض كيلومترات، وهل ستمنع سياسة عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، تلك البلدان الأخرى من الكف عن التدخل في شؤون الجزائر، وجرّها إلى ما لا تحمد عقباه.
وستكون للتحذير من انفلات أمني خطير في الجزائر تداعيات كبيرة على أوروبا، والذي أنذرت به الصحف الفرنسية، يطرح أسئلة عدة عن سبب هذه الحملة وتوقيتها والجدوى منها. جرّب الجزائريون، في الماضي وفي مناسبات عدة، ابتزاز الصحافة الفرنسية في أكثر من قضية، وفي أكثر من موقف، فما الجديد والعلاقات بين قصري الإليزيه والمرادية، يصفها الإثنان بالجيدة.
الحملة المتناسقة، والتي دشّنتها بقوة الصحافة الفرنسية، انضم إليها ساسة أوروبيون، حيث اعتبر الرئيس السابق للدبلوماسية الأوروبية، خافيير سولانا، أن الوضع في الجزائر "التي تعاني من عدم اليقين السياسي والاقتصادي" يدعو إلى القلق. وكتب، في مقاله "وعد وخطر في الجزائر" في الموقع الإلكتروني "بروجيكت سانديكيت"، أنه، بعد خمس سنوات من بداية ما يسمى الربيع العربي، "لم يول المجتمع الدولي اهتماماً يذكر لدول مثل الجزائر، والتي سيعود مصيرها مرة أخرى على رادار العالم". تضاف إلى ما كتبه سولانا نصيحة السلطات الأميركية رعاياها عدم السفر إلى الجزائر، بسبب ما وصفتها بـ "التهديدات المتنامية للأعمال الإرهابية والاختطاف في هذا البلد".
من يقرأ تمسّك الدبلوماسية الجزائرية بتحفّظها على المخطّط الغربي للتدخّل العسكري في ليبيا يعرف مربط الفرس، حيث لم تساهم زيارة كاتب الدولة المساعد المكلّف بالشؤون السياسية في الخارجية الأميركية، توماس شانون، الجزائر، في نهاية فبراير/ شباط لنقل المقاربة الغربية، لتنفيذ تدخّل عسكري، للقضاء على تنظيم داعش، وضرورة مساهمة دول المنطقة في العملية. لم تساهم في احتواء الخلافات بين واشنطن والجزائر بخصوص الملف الليبي، ففيما تدفع الأولى بمخاطر توسّع نفوذ التنظيم الإرهابي، وتنامي تهديداته لدول المنطقة وأوروبا، في حال التأخّر في تنظيم تدخّل عسكري، يقضي عليه في ليبيا، تدفع الجزائر باتجاه مراعاة التداعيات الإنسانية والأمنية على دول المنطقة، وإمكانية دخول ليبيا في فوضى كبيرة، إذا لم توفّق الحملة العسكرية، وبالتالي، تكرار سيناريو العراق في شمال أفريقيا. في الأثناء، تدخل روسيا على الخط، حيث يهرول وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، إلى الجزائر، لقطع الطريق على الغرب، والتذكير بأن سيناريو الموافقة الروسية على حملة "الناتو" لإسقاط القذافي لن يتكرّر في 2016، وأن الجزائر ستبقى البلد الأول في أفريقيا في شراء السلاح الروسي.
لعل في البوصلة الجزائرية التي تتجه نحو رفض التدخل العسكري في ليبيا، والذي عبّر عنه وزير خارجيتها، رمطان لعمامرة، في أكثر من مناسبة، ما يشي بأسباب الضغوط التي تمارسها فرنسا، وبعض الدول الأوروبية، بمعية الولايات المتحدة على الجزائر، في محاولة لثنيها عما تعتبره الأخيرة موقفاً مبدئياً، سارت عليه دبلوماسيتها منذ استقلال البلاد في 1962، فالتاريخ لم يسجل للجيش الجزائري أي تدخل خارج الحدود الوطنية، إلا في حربي 1967 و1973 ضد إسرائيل، ما يعتبره الجيش الجزائري وساماً له.
صحيح أن أغلب فروع القوات المسلحة في الجزائر في حالة تأهب قصوى، منذ أسابيع. وقال
كانت الجزائر حاضرةً، بدبلوماسيتها ومالها ومخابراتها، في مواقع كثيرة، وبذلك أثّرت على قضايا كثيرة، ودفعت دولاً أفريقية خصوصاً وفي العالم الثالث، إضافة إلى حركات تحرّر، باتجاه مصالحها وسياستها. كانت مشاركة السفارة الجزائرية لافتة في تقريب وجهات نظر اللبنانيين، تحضيرا لاتفاق الطائف، مثلاً، وأذكر أن دبلوماسياً جزائرياً مازحني بقوله أن الوسيط في الاتفاق، الأخضر الإبراهيمي، وجد الملفات جاهزة أمامه، قبل أن تطأ قدماه بيروت.
ينظر محللون جزائريون كثيرون إلى الأمر من زاوية النأي بالنفس عن مشكلات المنطقة، بل ويذهبون إلى سرد وقائع التسعينيات، وكيف أن الجزائر عانت بمفردها من ويلات الإرهاب، وأن عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى هو من سبيل الابتعاد عن "الربيع العربي"، شره وخيره. وإذا كانت هذه النظرة تبدو ساذجة في العلاقات الدولية، فهناك من ينظر من زاوية أن إطفاء النار عند جارك هو إطفاء لها عندك، أو استباق لعدم وصولها إلى بيتك أصلاً. وهو ما كان يمكن القيام به في ليبيا، لو تفطنت الدبلوماسية الجزائرية إلى فعل الاستباق الذي غاب عنها أيام وزير خارجيتها السابق، مراد مدلسي، فلقد فرطت الجزائر يومها في أوراق أساسية في الملف الليبي، وهي التي كانت تمتلك مفاتيح مهمة عبر علاقاتها بالقبائل وأبناء ليبيا، وكان في الوسع استغلالها لاحقاً لتهدئة النفوس وجبر الخواطر وإصلاح ذات البين بين الإخوة، حفاظا على وحدة ليبيا، وصونا لها من التشرذم، ومن هيمنة عناصر مسلحة وإرهابية على مناطق عدة، وتهديدها دول الجوار والمنطقة.
ولعل في تغريدة الفنانة التونسية، لطيفة العرفاوي، وطلبت فيها من الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، دعم بلادها في مواجهة الإرهاب، ما يحمل معنى اتقاء وصول النار إلى البيت، خصوصاً أن عبد القادر النجدي، الذي وُصف بأنه "الأمير المفوّض لإدارة الولايات الليبية" لتنظيم داعش، توعّد دولَ الجوار بأنها "لن تستطيع الدفاع عن نفسها" في مواجهة المتشدّدين. وهي رسالة إلى تونس والجزائر والنيجر وبقية دول الساحل. صحيح أن التنسيق الأمني بين البلدين أصبح متوفراً. ولكن، هل يعتبر ذلك كافياً في صد هجمات إرهابية، لا تبتعد عن حدود البلدين، إلا بعض كيلومترات، وهل ستمنع سياسة عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، تلك البلدان الأخرى من الكف عن التدخل في شؤون الجزائر، وجرّها إلى ما لا تحمد عقباه.