المشاركة رهان الانتخابات الرئاسية الجزائرية
لا ينتظر الجزائريون أي مفاجآت في الانتخابات الرئاسية المقرّر إجراؤها في 7 سبتمبر/ أيلول الجاري، فهم، على امتداد 62 سنة من عمر استقلال بلادهم، لم يألفوا عدم فوز رئيس في أثناء عمله، في انتخابات يراها هو بنفسه امتداداً لولايته الأولى، ولا أن تتعثّر حملة انتخابية يقودها وزير داخليته، حتى وإن كان الرئيس عبد المجيد تبّون قد منحه عطلة استثنائية من الوزارة، من أجل التفرّغ لتأدية مهمة إدارة حملته الانتخابية على خير ما يرجوه.
تصرّ حملة تبّون على وصفه بالمرشّح الحر للرئاسيات، لا يُعجب أنصاره وصف خصومه له بالرئيس المرشّح، يجدون في ذلك لمزاً يتحاشون التوقف عنده. يقول في التجمّع الانتخابي الذي عقده في وهران إنه لم يُحقق سوى 60% من مخطّطاته التنموية السابقة، ويضيف أمام جماهير (جاءت من محافظات المنطقة الغربية) اكتظّت بها قاعة رياضية واسعة، إن الولاية المقبلة ستسمح له باستكمال المشاريع التي بدأها منذ 2019، والوفاء بالوعود التي قطعها على نفسه، منها إيجاد فرص عمل جديدة لنحو 450 ألف من الشبان العاطلين من العمل، وبناء مليوني شقّة، ورفع الدخل القومي الخام إلى 400 مليار دولار عام 2027.
لم يعكّر صفو الحملة الانتخابية في الجزائر أو يعرقل مسارها شيء يذكر، كانت خطابات المرشّحين الثلاثة هادئة، من دون تراشق كلامي ولا منغصّات لفظية (المرشّح الحر، عبد المجيد تبّون. مرشّح حركة مجتمع السلم، عبد العالي حساني شريف، ومرشّح جبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش). وحدها النشاطات الميدانية لرئيس حركة البناء الوطني، عبد القادر بن قرينة، الحزب المحسوب على الإسلاميين والمؤيد للمرشّح عبد المجيد تبّون، أضفت على الحملة الانتخابية مشهداً فيه من الطرافة الكثير، حتى إنها أخذت نصيبها الوافر في وسائل التواصل من النقد الحادّ أحياناً، والتعليق الساخر أحياناً أخرى، نظراً إلى ما اعتراها من خروج خطاباته عن النصّ في مرّات عديدة، أو ارتجال في الكلام اعتُبِر بعضُه مغالاةً من بن قرينة في التودّد والتقرّب من الرئيس، إلا أنها "خرجات" بقيت ضمن خانة ما تعرفه الحملات الانتخابية عموماً من صعود وهبوط.
اكتفى المرشّح عبد المجيد تبّون بتجمّعات شعبية قليلة، حضرها الناس من محافظات مختلفة، أغنته عن مشقّة السفر مسافات طويلة، عبر مدن كثيرة، كما حدث في انتخابات ديسمبر/ كانون الأول 2019 التي فاز بها. آثر تبّون هذه المرّة التركيز على مدنٍ بذاتها، هي عواصم للجهات الأربع للبلاد، كمدينتي قسنطينة في الشرق ووهران في الغرب، وترك المهمّة في بقية المحافظات لقادة الأحزاب الكثيرة المؤيدة له، وللجمعيات الأهلية الوفيرة التي تنادَت لنصرته.
لا يختلف حزب جبهة القوى الاشتراكية، في غاياته، من المشاركة في الرئاسيات المقبلة، عن حزب حركة مجتمع السلم. هي مجرّد إثبات للوجود
نفى مرشّح حركة مجتمع السلم، للرئاسيات الجزائرية، عبد العالي حسّاني شريف، في أثناء الحملة الانتخابية التي انطلقت في 15 الشهر الماضي (أغسطس/ آب) أن تكون الانتخابات محسومة للرئيس المترشح عبد المجيد تبون، وأبدى تحفّظات على تعيين وزير الداخلية مديراً لحملة الرئيس، وانتقد استغلال بعض مقدّرات الدولة في دعم الرئيس المترشح، إلا أنه أكّد أن فرصة فوزه تظل قائمة إن قرّر الشعب الجزائري المشاركة القوية لدعم التغيير. ويعرف حسّاني جيداً أن فرص فوزه غير واردة، وأن تأكيده لحظوظه الممكنة في الوصول إلى سدّة الحكم كلام يُبث في حملات انتخابية سرعان ما ينتهي مفعوله، بنزع وتد آخر سرادق لها، ذلك أن عدّة أسباب داخلية وخارجية تمنع من وصول حزب إسلامي إلى السلطة في الجزائر، فالظروف الدولية والإقليمية لن تسمح بتكرار تجربة الإسلاميين في الوصول إلى الحكم، كما حدث في تونس أو مصر بعد الربيع العربي. فما الفائدة التي يبحث عنها حزب حركة مجتمع السلم بمشاركته في الانتخابات الرئاسية. يقول العارفون بخبايا المطبخ الحزبي إن هذا الحزب إنما يريد من مشاركته في الانتخابات إثبات وجوده في الساحة السياسية، لدى السلطة الفعلية في البلاد، وأيضاً لكيلا يصيبَها ما أصاب أحزاباً أخرى من كساح سياسي، وكثير منها توقف قلبُه عن النبض وانتهى. غاية أخرى يبتغيها الحزب، هي تحريك كوادره، ومكاتبه في الأقاليم، وتعويد منتسبيه الفعل الانتخابي تحضيراً للانتخابات المحلية المقبلة، وتلك غاية قد يدرك نصيب منها، وتجعل من وجوده في البرلمان، وفي المجالس المحلية، أمراً ممكناً وفاعلاً.
لا يختلف حزب جبهة القوى الاشتراكية، في غاياته، من المشاركة في الرئاسيات المقبلة، عن حزب حركة مجتمع السلم. هي مجرّد إثبات للوجود، وتركيز على المشاركة التي تضمن استدامة تصدّره للمشهد السياسي في منطقة القبائل خصوصاً، التي يستقي منها معينه النضالي، الذي تراجع كثيراً بعد وفاة المؤسّسين (منهم الحسين آيت أحمد أحد قادة ثورة التحرير الجزائرية)، وتبنّي الدولة رسمياً المطلب الأمازيغي، أحد مرتكزات الحزب الأساسية.
ركّز خطاب مرشّح جبهة القوى الاشتراكية، يوسف أوشيش، كثيراً على "المشاركة القوية في هذا الاستحقاق الانتخابي لتمتين الجبهة الداخلية والوقوف أمام كل المحاولات التي تستهدف السيادة الوطنية واستقرار البلاد"، يلحّ عليه في الذاكرة خطاب حركة استقلال منطقة القبائل، (ماك) التي تأسّست، عام 2001، وتتخذ من باريس مقرّاً لها، وتصنّفها الجزائر منظمّة إرهابية.
يبقى ترقّب نسبة المشاركة سيد الشأن الانتخابي في الجزائر، فالتخوّف من العزوف يستمدّ مبرّراته من الهدوء السياسي عقب حراك 2019
ركّز خطاب المرشّحين أو من يمثلهم على مهاجمة دعاة المقاطعة التي اعتبروها تهديداً للأمن الوطني، معتبرين أن السبيل الوحيد للتصدّي لهذه المخاطر بناء جبهة داخلية متينة بانخراط الجميع، وبالمشاركة القوية في الرئاسيات المقبلة. تجانست أفكار المرشّحين الثلاثة بشأن تدعيم الإنجازات التنموية، وتعزيز الأمن والاستقرار، أجمعوا أيضاً على الدعوة إلى المشاركة في الانتخابات، فهاجس العزوف الانتخابي ما زال في الذاكرة، حيث تدنّت مشاركة الناخبين في الاستحقاقات الانتخابية السابقة، وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية في ديسمبر/ كانون الأول 2019 حوالى 40%، وهي أدنى نسبة في انتخابات رئاسية تعددية في تاريخ البلاد، إذ عرفت معدّلات المشاركة في الانتخابات الرئاسية الجزائرية 50.7% في 2014 (انتخابات العهدة الرابعة لعبد العزيز بوتفليقة)، و75.68% في 1995 حين شهدت البلاد أول انتخابات رئاسية تعدّدية فاز فيها اليمين زروال.
يبقى ترقّب نسبة المشاركة سيد الشأن الانتخابي في الجزائر، فالتخوّف من العزوف يستمدّ مبرّراته من الهدوء السياسي الذي عرفته البلاد عقب حراك 2019 الذي أطاح نظام بوتفليقة، حيث لم تعرف الجزائر نقاشاً سياسياً، أو حزبياً قوياً منذ ذلك التاريخ، وبقيت حركة الأحزاب مقتصرة على المشاركة في الانتخابات المحلية، ما أحدث حالة من النفور لدى العامّة من المشاركة السياسية، ناهيك عن الظروف المعيشية التي تعرف حالة من القلق من ارتفاع الأسعار، رغم محاولات الحكومة لتهدئة الجبهة الاجتماعية، وتحريك عجلة الاستثمار التي ما زال دفعها نحو الدوران التام يحتاج إلى جهد مضاعف.