هل انتهى حلم التغيير السلمي في اليمن؟

27 يناير 2015
راهن اليمنيون في ثورتهم على الحشود الشعبية السلمية (Getty)
+ الخط -

فضّل اليمنيون خلال عام 2011، النضال السلمي وسيلة للتغيير السياسي والاجتماعي، الأمر الذي جعل اليمن مثالا راقيا للسلمية، مقارنة بدول الربيع الأخرى، باعتبار اليمن بلداً يحتوي الملايين من قطع السلاح، كما تشير بعض الإحصاءات، بالإضافة إلى أمية تتجاوز 65 في المائة.

ورغم الاستفزاز ومحاولة جر اليمنيين إلى حرب طاحنة، لم يكن أمام اليمنيين سوى التمسك بسلميتهم كوسيلة للتغيير، رغم إمكانية استخدام السلاح المتوفر بمختلف أنواعه وأحجامه في اليمن. ذلك لأن التغيير السلمي أقل تكلفة عندما يحافظ على الأرواح ويقلل من إمكانية الانهيار التام للدول.

هذا ما يؤكده لنا أحد القيادات الشبابية لثورة التغيير اليمنية، مؤنس علي.
يقول: استمرت محاولات الاستفزاز لكافة الأطراف الثورية بهدف جرها إلى العنف، الذي يمكّن النظام من استخدام القوة ضد المحتجين وإنهاء الاعتصامات". مشيرا إلى أن وعي المحتجين فوّت على النظام فرصة تحويل الاحتجاجات السلمية إلى عنف يأكل الأخضر واليابس، بحسب تعبيره.

ويضيف: "الشباب المعتصمون في الساحات والميادين كانوا يعرفون جيدا أن اللجوء إلى العنف كان سيحول اليمن إلى ساحة حرب مفتوحة، مؤكدا أن بعض المكونات الثورية كانت تلجأ لاستخدام العنف كرد فعل، لكن بعيدا عن الساحات والميادين الشبابية، كي لا يتم تغيير المسار السلمي".

ويوضح مؤنس لـ"العربي الجديد" مشاعر شباب التغيير عندما كانوا يشاهدون زملاءهم يقتلون بدم بارد في ساحات الاعتصام. يقول: "أتذكر أن النظام حاول تشكيك الشباب في الساحات حول فعالية ونجاح الوسائل السلمية في الاحتجاج"، خاصة بعد مجزرة جولة كنتاكي ومحرقة تعز، مستغلين بذلك حماس الشباب وسخطهم. لكن مع ذلك "لم نفكر إطلاقا باللجوء إلى العنف كرد فعل، وكلما زاد النظام في القتل، قلنا: سلمية سلمية".

ويستمر مؤنس في التأكيد على أهمية السلمية كمنهج ووسيلة للنضال والاحتجاج والتغيير.

مؤكدا أن أي محاولة لأحداث تغيير لا تتبنى الوسائل السلمية المشروعة ستكون مهددة بالفشل الذريع.


التغيير الآمن
ويتفق الناشط السياسي محمد اليمني، مع الرأي السابق، مشيرا إلى العمل السلمي باعتباره الملجأ الوحيد الذي تستطيع الجماهير أن تتحرك فيه بكل حرية وسلاسة، وأن توصل رسالتها بشكل أفضل ومتميز.

ويوضح اليمني أسباب اختيار السلمية كحل وحيد لمواجهة أشكال الظلم والدكتاتورية اليوم، بأن هذه الوسيلة "تحافظ على أرواح الناس وعلى مؤسسات ومكتسبات الدولة". وهي في نفس الوقت تحرج الأنظمة، بحسب قوله.

ويؤكد لـ "العربي الجديد" أن الاحتجاجات السلمية المدنية أساليب حضارية تم تجربتها في العديد من دول العالم وأثبتت نجاحا كبيرا، وهي تعتبر وسيلة للتغيير الآمن.

مواجهة الحوثيين.. سلمياً
من جانبه، يسرد الصحافي جبر صبر، أمثلة حية لنجاح العمل السلمي في إخضاع حركة مسلحة مثل جماعة أنصار الله (الحوثيين) لمطالب الناس السلمية، معتبرا الاحتجاجات السلمية أشد فتكا من الأسلحة.

ويؤكد صبر لـ "العربي الجديد" أنه وبالرغم من اقتحام مليشيات الحوثي المسلحة لصنعاء، وما رافقها من اعتداءات واقتحامات للعديد من المنازل والمصالح الحكومية، إلا أن "الاحتجاج السلمي ما زال سيد الموقف وما زال يتصدر المشهد بقوة".

يقول: "تضطر جماعة أنصار الله الحوثية المسلحة إلى التوقف عن الاعتداء في حال تم مواجهتها بحراك شعبي سلمي منظم". مشيرا إلى إضراب أعضاء هيئة تدريس وطلاب مدرسة الشهيد الحورش الثانوية في العاصمة صنعاء خلال الأيام الماضية، مطالبين بإيداع بعض عناصر الجماعة المسلحين في السجن بعد الاعتداء على مدير المدرسة وتهديده بالطرد بقوة السلاح. الأمر الذي جعل قيادة أنصار الله (الحوثيين) تخضع لمطالب المدرسين والطلاب، وتقوم بسجن المسلحين في أحد مراكز الشرطة.

أما الحقوقي علي مثنى، فيؤكد أن "السلمية عملية مستمرة في اليمن"، مشيرا إلى أن الأطراف والمكونات التي تنادي بالدولة المدنية "لن تتخلى عن منهج السلمية في التغيير" مهما كانت التضحيات، بحسب تعبيره.

ونجحت حركة "لن نظل مكتوفي الأيدي" التي يقودها الكاتب محمود ياسين، في إطلاق سراح

بعض المختطفين لدى جماعة الحوثيين بتحركات سلمية، كما نجحت حركة "رفض" حديثة النشأة في تسيير تظاهرات منددة بتواجد المليشيات في مدن إب وصنعاء وتعز.
 
السلمية ليست غاية

لكن هذه الجهود تصطدم بإحباط بعض الناشطين، الذين يرون أن الحوثيين لا يعبأون بالنشاط السلمي، وأنهم يعززون سلطتهم يوميا على الأرض بقوة السلاح، وأن مثل هذه الجهود السلمية لا تعدو عن كونها تكريسا للأمر الواقع الذي بات في قبضة الجماعة، تماما كما تفعل المعارضات التي لا حول لها ولا قوة.

وهناك وجهة نظر أخرى تقول إن التغيير السلمي والمدني مهم ولكنه لم يعد يكفي في الحالة اليمنية الراهنة.
الباحث غائب حواس، وبالرغم من تأكيده أن التحرك الشعبي السلمي قادر على إخراج الحركات المسلحة من المدن. لكنه في الوقت ذاته، أكد أهمية عدم "التقعيد للنظرية السلمية بالمطلق". مشيرا إلى أن ذلك سيحول السلمية من وسيلة إلى غاية.
والصحيح من وجهة نظره هو "تحريك الممكن في مواجهة الراهن الغاشم، حسبما يقتضيه الموقف ويسمح به الظرف".