تغيّر الكثير في المشهد اليمني على صعيد القوى التي اتفقت عام 2011 على الثورة، ولم تكن كذلك بالنسبة لأهدافها، الأمر الذي أتاح المجال للخلافات وأوجد واقعاً صعد بقوى كانت على الهامش إلى الصدارة، بينما أصبحت أخرى في وضع أصعب بكثير ممّا كانت عليه قبل الثورة.
تألفت القوى المناصرة للثورة من أحزاب المعارضة السياسية ممثلة في تكتل "اللقاء المشترك"، وأكبر أحزابه، التجمع اليمني للإصلاح، المحسوب على جماعة "الإخوان"، والحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الناصري.
والنوع الثاني، قوى المعارضة المسلحة أو التي كانت تصنّف بأنها خارجة "عن القانون"، وتتمثل بجماعة أنصار الله (الحوثيين)، وفصائل الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال جنوباً.
والمكوّن الثالث هو جانب غير قليل من الشباب المستقلين والشخصيات العامة الساخطة من سياسات النظام السابق والمستقيلين من حزب المؤتمر الحاكم (حينها)، والذي يرأسه الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
كان اللقاء المشترك، الذي تأسس عام 2002، خليطاً متناقضاً من أحزاب تجمعها "معارضة صالح"، ولهذا السبب لم يعد التكتل متماسكاً بما فيه الكفاية بعد الثورة.
فحزب الإصلاح، الذي تأسس من خليط من إسلاميين (إخوان) وقبليين وشخصيات مستقلة عام 1990، كان أبرز قوى "الثورة" الفاعلة في 2011، للدرجة التي كان بعض أعضائه يعتقدون معها أنه "حزب المستقبل" الذي سيتسلم الحكم بعد الثورة.
حصل "الإصلاح" في بدء المرحلية الانتقالية على نصيب معتبر في حصة "اللقاء المشترك" بنصف الحكومة، وأصبح مشاركاً في مؤسسات الدولة، وكان يأمل أن القادم الذي سيلي المرحلة الانتقالية سيحوز فيه على نصيب أكبر بحجم قاعدته التنظيمية، كثاني أكبر الأحزاب بعد حزب المؤتمر.
كانت أحداث مصر، منتصف العام 2013، بداية العد التنازلي للقوى التي تصدّرت الربيع
العربي في ظروف متشابهة، ليتنقل الإصلاح ـ كحزب محسوب على الإخوان ـ من مرحلة الصعود إلى الدفاع عن نفسه والحفاظ على ما أمكن.
فقدم الإصلاح التنازلات تلو التنازلات وتمسك بسياسة تدعم الرئيس هادي، بما فيها إقرار تحويل البلاد إلى شكل "الفيدرالية".
وكان يخشى من ثورة مضادة يدعمها حزب المؤتمر والأطراف المتضررة عام 2011. لكنه كمعظم اليمنيين، لم يكن يتوقع أن تصبح جماعة الحوثيين ـ التي كان خلافه معها قد بدأ في ساحات الثورة ـ هي من سيتقدم ويصبح المسيطر الأول في العاصمة.
تقدم الحوثيون من محافظة صعدة، معقل الجماعة، إلى صنعاء، وكان الطرف الأول الذي واجهوه في طريقهم هو المحسوب على حزب الإصلاح، ليتعرض جناحه القبلي لضربات أضعفته إلى حد كبير شمال صنعاء.
وفي 21 سبتمبر/ أيلول الماضي، اجتاح الحوثيون العاصمة، وكان الهدف الأول لمسلحي الجماعة هو القوات المحسوبة على اللواء علي محسن الأحمر، الذي غادر البلاد في اليوم نفسه، بالإضافة إلى مقرات حزب الإصلاح والمؤسسات التابعة له ومنازل بعض قياداته.
في تلك الأثناء، كان الإصلاح قد تعرّض لضربات لم يخسر فيها ما حققه بعد الثورة، بل خسر فيها جزءاً ممّا كان يتمتع به من مؤسسات ونفوذ في عهد الرئيس السابق أيضاً. إذ كان هناك هامش لا بأس به من الديمقراطية قبل 2011، ولم يكن هناك تضييق على الإصلاح كحزب إسلامي، مقارنة بما كانت عليه الأحزاب الإسلامية في باقي دول الربيع.
وأبرز ما حققه الإصلاح في زحمة الفشل والهزائم المتتالية في سبتمبر الماضي، هو أنه تجنب حرباً مع الحوثي داخل العاصمة كان يمكن أن تطول، لكنه اتخذ قراراً بعدم المواجهة بعد أن شعر بتواطؤ من قبل السلطات العليا.
خسرت قوى الثورة البارزة، ممثلة في الإصلاح والقوى القبلية والقيادات العسكرية المحسوبة
عليه ومعظم القوى اليسارية الغير راضية عن الوضع. وصعدت إلى الواجهة تقسيمات جديدة، أبرزها جماعة الحوثي، ومجموعة الرئيس هادي كطرف حاكم وسّع نفوذه خلال المرحلة الانتقالية وعيّن الكثير من المحسوبين عليه في أجهزة الدولة المختلفة.
بعد أربع سنوات، لم تعد تقسيمات 2011 دقيقة للتنزيل في الواقع، فحزب صالح، رغم أنه استفاد من ضرب العديد من قوى الثورة، إلا أن الواقع في البلاد لم يعد يسرّ، والبديل الصاعد هو الميليشيات والنزعات المناطقية والطائفية والجهوية.