17 نوفمبر 2024
هل انتهت مفاوضات جنيف أم فشلت؟
عرفت الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف السورية مماحكات وتجاذبات كثيرة، أبرزها امتناع وفد النظام عن حضور الأيام الأولى من مرحلتها الأولى، ثم تغيبه خمسة أيام عن بداية مرحلتها الثانية، في حين أن وفد المعارضة بقي ينتظر في فندقه عملية التفاوض نحو ثلاثة أسابيع، لكن النظام رفض الدخول معه في مفاوضات مباشرة، بل ورفض حتى الاعتراف بالوفد الذي تشكّل في مؤتمر "الرياض 2" الذي ضم إلى جانب ممثلين عن ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية وهيئة التنسيق، ممثلين مستقلين وآخرين عما تعرفان بمنصتي القاهرة وموسكو. وبالتالي لم تشهد هذه الجولة كسابقاتها أي مفاوضات حقيقية، بل كانت لقاءات أجراها المبعوث الأممي الخاص إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، بشكل منفصل، مع وفدي النظام السوري ومعارضة "الرياض 2"، الأمر الذي يستدعي القول إن مسار جنيف التفاوضي الأممي انتهى، أو على الأقل فشل وشارف على نهايته، وما تبقى منه ربما سيبقيه صورةً باهتةً لتمرير ما يتمخض عن مساراتٍ أخرى بديلة، خصوصا أن النظام الروسي يحضّر لعقد مؤتمر "الشعوب السورية" في سوتشي، ويرغب في جعله مؤتمراّ لـ"الحوار الوطني السوري"، خاطفاً اثنتين من سلال المبعوث الأممي الأربع، تلك المتعلقتين بالإصلاحات الدستورية والتحضير لانتخابات تحت ظلام حكم نظام الأسد المجرم، وفاقد الشرعية والأهلية.
وعلى الرغم من أن دي ميستورا لا يريد أن يقرّ بفشل مسار جنيف التفاوضي الخاص بسورية، حفاظاً على مهمته ووظيفته، إلا أنه لم يستطع كبت أسفه على "ضياع فرصة حقيقية"، وراح يتحدّث عن جهودٍ بذلت، لكنها لم تفضِ إلى مفاوضات حقيقية، مكتفياً بالإشارة إلى أن "النظام السوري لم يسعَ حقيقة إلى الحوار"، بدلاً من أن يحمّله مسؤولية فشل هذه الجولة والجولات السبع السابقة لها، ولم تسفّه إشارته الخجولة إلى عدم اعتباره "حجج وفد النظام السوري،
بخصوص طلب تخلي المعارضة عن بيان الرياض 2، منطقية"، لأنها، في حقيقة الأمر، شروط مسبقة، وضعها وفد النظام، بوصفها ذرائع للتملص من الاستحقاق التفاوضي، إلى جانب شروط عديدة أخرى، أهمها المتعلق بـ"عقدة الأسد"، حيث يعتبر النظام الحديث عن مصير الأسد خطاً أحمر، والحديث عن انتقال سياسي مجرّد وهم، ولن يحصل، وهذا ما عبر عنه رئيس وفد النظام بالقول إنهم لم يأتوا إلى جنيف لتسليم السلطة.
ولعل حديث دي ميستورا عن "الواقعية" التي طالب بها وفد النظام للمرة الأولى، لم يرافقه أي موقفٍ منه حيال التغيب أياماً عديدة عن المفاوضات، والتهرّب من الدخول في عملية التفاوض، فضلاً عن الاستخفاف بالقرارات الأممية، في حين أن طلب دي ميستورا وقوى دولية وإقليمية من المعارضة السورية أن تكون واقعية ولّد ضغوطاً كبيرة عليها، جعلتها تغير عدة مبادئ وثوابت ينبغي أن تتمسك بها، لكي تمثل غالبية السوريين، وأهداف ثورتهم، ووصل الأمر بوفد "الرياض 2" إلى تحويل مسألة التغيير أو الانتقال السياسي إلى مجرد البحث في إصلاحات دستورية وانتخابات، وتحويل مسألة رحيل الأسد إلى مجرد وجهة نظر ومسألة تفاوضية، والأخطر هو ضم أعضاء من منصتي موسكو والقاهرة ومن هيئة التنسيق، الذين يرون أن الأمر مجرد خصومة سياسية بين جميع السوريين، حسبما تحدّث رئيس منصة موسكو، قدري جميل، الذي اعتبر أن النظام بالنسبة إليه مجرد خصم سياسي، على المعارضة محاورته ومصالحته لإنهاء الخصومة، وبالتالي فإن ما جرى في سورية، في السنوات السبع التي خلت، من جرائم قتل وتعذيب وتهجير، اقترفها النظام، لا وزن لها ولا أثر في عُرف منصة موسكو وأخواتها.
والغريب أن كلاً من وفد "الرياض 2" والبعوث الأممي الخاص إلى سورية، يحصران مسار جنيف التفاوضي في تنفيذ قرار مجلس الأمن 2245، وهو قرار يتضمن نقاطا ومبادئ أساسية، جرى اختصارها في الجولة الثامنة من المفاوضات في نقطتين فقط، الدستور والانتخابات، وجرى الدوس على المرحلة السابقة لعملية التفاوض، وسمّاها القرار نفسه مرحلة حسن النيات وبناء الثقة، التي يفترض بها إيجاد بيئة جديدة مناسبة لتقبل الحل السياسي، وتقضي بوقف إطلاق النار وفك الحصار عن المدن والبلدات والقرى المحاصرة، وإيصال المساعدات الطبية والإنسانية إليها، وإطلاق سراح المعتقلين. ولم ينفذ النظام أيا منها، والأدهى من ذلك أن جولات مسار جنيف التفاوضية انطلقت قبل تهيئة البيئة المناسبة للانتقال السياسي، وترك الأمر لمسار آخر، لا يحظى بالشرعية الأممية، وهو مسار أستانة، الذي أخذ طابعاً عسكرياً، اجترحت خلال جولاته المتعدّدة مناطق "خفض التصعيد"، المفترض أن تشهد وقفاً لإطلاق النار، لكنها
لم تحفظه أمام خروق النظام واعتداءاته التي لم تتوقف يوماً، على الرغم من الرعاية الروسية والتركية والإيرانية. وقد واصل النظام حربه على مختلف المناطق في سورية، على الرغم من كل الاتفاقات في أستانة وسواها، ووصل به الأمر في أيامنا هذه إلى شن حرب إبادة ضد سكان مناطق غوطة دمشق الشرقية، والهجوم على محافظة إدلب، بالتنسيق مع تنظيم داعش.
ومع كل التصعيد الذي يقوم به نظام الأسد، ومليشيات نظام الملالي الإيراني، من غير الممكن أن ينتهي مسار جنيف التفاوضي إلا إلى الفشل، خصوصا في ظل دفاع النظام الروسي عن ما يقوم به النظام الأسدي على الأرض، وفي جنيف وسواها، الأمر الذي ينذر بمزيدٍ من تأزم القضية السورية، ودخولها مساراتٍ أشدّ ظلمةً، وانتقالها إلى أوضاع تهدّد مستقبل سورية والسوريين، لأن النظام الذي رفض، منذ اليوم الأول للثورة، أي حل سياسي، ما يزال يواصل النهج نفسه في القتل والمجازر والتعذيب والتغوّل في إراقة الدم السوري.
وعلى الرغم من أن دي ميستورا لا يريد أن يقرّ بفشل مسار جنيف التفاوضي الخاص بسورية، حفاظاً على مهمته ووظيفته، إلا أنه لم يستطع كبت أسفه على "ضياع فرصة حقيقية"، وراح يتحدّث عن جهودٍ بذلت، لكنها لم تفضِ إلى مفاوضات حقيقية، مكتفياً بالإشارة إلى أن "النظام السوري لم يسعَ حقيقة إلى الحوار"، بدلاً من أن يحمّله مسؤولية فشل هذه الجولة والجولات السبع السابقة لها، ولم تسفّه إشارته الخجولة إلى عدم اعتباره "حجج وفد النظام السوري،
ولعل حديث دي ميستورا عن "الواقعية" التي طالب بها وفد النظام للمرة الأولى، لم يرافقه أي موقفٍ منه حيال التغيب أياماً عديدة عن المفاوضات، والتهرّب من الدخول في عملية التفاوض، فضلاً عن الاستخفاف بالقرارات الأممية، في حين أن طلب دي ميستورا وقوى دولية وإقليمية من المعارضة السورية أن تكون واقعية ولّد ضغوطاً كبيرة عليها، جعلتها تغير عدة مبادئ وثوابت ينبغي أن تتمسك بها، لكي تمثل غالبية السوريين، وأهداف ثورتهم، ووصل الأمر بوفد "الرياض 2" إلى تحويل مسألة التغيير أو الانتقال السياسي إلى مجرد البحث في إصلاحات دستورية وانتخابات، وتحويل مسألة رحيل الأسد إلى مجرد وجهة نظر ومسألة تفاوضية، والأخطر هو ضم أعضاء من منصتي موسكو والقاهرة ومن هيئة التنسيق، الذين يرون أن الأمر مجرد خصومة سياسية بين جميع السوريين، حسبما تحدّث رئيس منصة موسكو، قدري جميل، الذي اعتبر أن النظام بالنسبة إليه مجرد خصم سياسي، على المعارضة محاورته ومصالحته لإنهاء الخصومة، وبالتالي فإن ما جرى في سورية، في السنوات السبع التي خلت، من جرائم قتل وتعذيب وتهجير، اقترفها النظام، لا وزن لها ولا أثر في عُرف منصة موسكو وأخواتها.
والغريب أن كلاً من وفد "الرياض 2" والبعوث الأممي الخاص إلى سورية، يحصران مسار جنيف التفاوضي في تنفيذ قرار مجلس الأمن 2245، وهو قرار يتضمن نقاطا ومبادئ أساسية، جرى اختصارها في الجولة الثامنة من المفاوضات في نقطتين فقط، الدستور والانتخابات، وجرى الدوس على المرحلة السابقة لعملية التفاوض، وسمّاها القرار نفسه مرحلة حسن النيات وبناء الثقة، التي يفترض بها إيجاد بيئة جديدة مناسبة لتقبل الحل السياسي، وتقضي بوقف إطلاق النار وفك الحصار عن المدن والبلدات والقرى المحاصرة، وإيصال المساعدات الطبية والإنسانية إليها، وإطلاق سراح المعتقلين. ولم ينفذ النظام أيا منها، والأدهى من ذلك أن جولات مسار جنيف التفاوضية انطلقت قبل تهيئة البيئة المناسبة للانتقال السياسي، وترك الأمر لمسار آخر، لا يحظى بالشرعية الأممية، وهو مسار أستانة، الذي أخذ طابعاً عسكرياً، اجترحت خلال جولاته المتعدّدة مناطق "خفض التصعيد"، المفترض أن تشهد وقفاً لإطلاق النار، لكنها
ومع كل التصعيد الذي يقوم به نظام الأسد، ومليشيات نظام الملالي الإيراني، من غير الممكن أن ينتهي مسار جنيف التفاوضي إلا إلى الفشل، خصوصا في ظل دفاع النظام الروسي عن ما يقوم به النظام الأسدي على الأرض، وفي جنيف وسواها، الأمر الذي ينذر بمزيدٍ من تأزم القضية السورية، ودخولها مساراتٍ أشدّ ظلمةً، وانتقالها إلى أوضاع تهدّد مستقبل سورية والسوريين، لأن النظام الذي رفض، منذ اليوم الأول للثورة، أي حل سياسي، ما يزال يواصل النهج نفسه في القتل والمجازر والتعذيب والتغوّل في إراقة الدم السوري.