كنا حتى وقت قريب ندرك أنّ الفول السوداني من أهم المحاصيل الزيتية. ونفخر في السودان أنّ اسمه يجري على كلّ لسان في العالم، ولا يعرف كثيرون أنّ هناك من يسمونه "فستق العبيد"؛ ذلك لأنّ موطنه الأصلي هو البرازيل.
مع فوائده العظيمة والمتعددة، قد يسبب بعض الأضرار، للأطفال خصوصاً، مثل الحساسية المزمنة والربو والأمراض الجلدية، كذلك قد يؤدي تناوله بكميات كبيرة إلى عسر الهضم، ويعد اختياراً سيئاً للمصابين باضطرابات الكلى والمرارة، وقد يؤثّر على وظائف الغدة الدرقية سلباً. لكن ظهر علينا من يقول إنّ "متعة الفقراء" هذا يسبب السرطان.
من الفوائد التي رشحته لاحتلال مكانته في قائمة غذاء الفقراء أنّه يحتوي على العديد من العناصر الغذائية كالبروتينات والمعادن، ومضادات الأكسدة، والفيتامينات المختلفة المهمّة لجسم الإنسان، ولحماية البشرة لاحتوائه على فيتامين "إي". وتحسب للفول السوداني قدراته العالية على تخفيض نسبة الكولسترول بالدم، والمساعدة في تخفيض إنتاج النيتروز والأمينات المسرطنة في المعدة.
في السودان يصنع معجون من الفول السوداني (زبدة الفول السوداني) يسمى شعبياً "الدكوة" التي تدخل كعنصر أساسي في معظم الوجبات، لسهولة الحصول عليها، وانخفاض سعرها. وقد بدأ، مع ازدياد حالات الإصابة بالسرطان منذ أعوام، توجيه يد الاتهام إلى الفول السوداني. مؤخراً، ورد أنّ هناك دراسات أثبتت أنّ الحبة الصغيرة التي تربط فلقتي ثمرة الفول تحتوي على مادة "أفلا توكسين" وهي مادة مسرطنة، فقد تسببت في العديد من إصابات سرطان القولون والكبد.
يؤكد الدكتور محمود بشير محمد سعيد بمستشفى "ميزوري" الأميركي، في قسم الباثولوجيا (علم الأمراض) المختص بفحوصات السرطان، وكذلك أستاذ الكيمياء العضوية الدكتور عبد المنعم صادق حسن، أنّ اتهام حبة الفول الصغيرة بالتسبب في السرطان قد تحول من زعم إلى حقيقة علمية مستقرة في الشمال الأميركي. لكنّ هناك من يبرئ فيقول إنّ الفول المريض المصاب بفطر "أسبرغيلوس فلافوس" هو الذي يمكن أن يسبب سرطاناً في القولون، إذ يفرز هذا الفطر سماً قاتلاً. وفي قدرة هذا الفطر أن يصيب الفول السوداني بعد الحصاد إن كان تخزينه وجمعه قد جرى بصورة غير صحيحة، أي من دون تركه ليجف بعد قلعه من التربة فترة كافية، قبل جمعه وتخزينه.
إذاً، المعالجات تكمن في التوعية بكيفية حصاده، وفي إزالة تلك الحبة الصغيرة مثار الجدل قبل أكله كما هو، أو طحنه لتصنيع الزبدة. ما يلزم توعية قطاع واسع من نساء فقيرات يتكسبن من صناعة وبيع (الدكوة)، وتوفير البديل الاقتصادي والمحفز لهن لإنتاج الزبدة الخالية من مسبب السرطان هذا.
*متخصص في شؤون البيئة